القائمـة البريدية
أدخل عنوان بريدك ليصلك جديدنا

المكتبة السمعية
المكتبة المرئية
المكتبة » الدين الحياة
مختـارات المكتبة
الدين الحياة
الشيخ \ أحمد بن حمد الخليلي
 
الوطء المحرم وأثره في نشر حرمة النكاح
الشيخ \ أحمد بن حمد الخليلي
 
زكاة الأنعام
الشيخ \ أحمد بن حمد الخليلي
الأكثر قراءة
90675 مشاهدةالإيلاء
الشيخ \ أحمد بن حمد الخليلي
 
 
52823 مشاهدةالدين الحياة
الشيخ \ أحمد بن حمد الخليلي
الدين الحياة الشيخ \ أحمد بن حمد الخليلي
القسم : العبادات عدد المشاهدات : 52822 مشاهدة

الدين الحياة

أجزاء الكتاب » إصلاح المجتمع » خسران الإنسان وأسباب نجاته منه
خسران الإنسان وأسباب نجاته منه

 خسران الإنسان وأسباب نجاته منه

1-  الإيمان طريق الإصلاح:

ينبغي للإنسان وهو يعيش هذه الحياة المحدودة ثم ينقلب بعدها إلى مصير خالد بحسب ما قدم فيها من خير أو شر أن يعلم ما هي مسئوليته وواجباته، والله سبحانه وتعالى بيّن في كتابه الكريم حالة الإنسان وهو يقطع هذه المرحلة لينقلب إلى ما بعدها؛ إذ قال عز من قائل:(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)(1)، إن الله تبارك وتعالى هو الحق المبين، ولا يقول إلا الحق، قد أقسم عزَّ وجلَّ في هذه السورة الكريمة بالعصر، ومع اختلاف المفسرين في المراد بكلمة العصر:
هل المراد به الدهر وما حوى من عجائب التقلبات من حال إلى حال، وما في ذلك من دواعي الاعتبار وبواعث الاستعبار؟.
أو هو العصر الذي نزل فيه الوحي على نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام لشرفه على بقية العصور؟.
أو هو وقت العصر وهو وقت اعتبار؛ لأنه وقت استقبال الليل وتوديع النهار، والليل والنهار –باستمرار تعاقبهما وسيرهما الحثيث– يبليان الجديد ويدنيان البعيد، فهما يطويان الأعمار ويقلبان الأحوال؟.
أو صلاة العصر لأجل ما لها من شأن، فقد قيل بأنها هي الصلاة الوسطى، وأكد ذلك حديث مرفوع إلى النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ؟(2).
أو الليل والنهار لما يزخران به من عجائب الأقدار، ويفرزانه من غرائب الأحوال، التي فيها عبرة لأولي الألباب، فإن الصروف التي تأتي بها الأزمان إنما يفرزها تقلب الليل والنهار؟.
فمهما يكن المراد بالعصر من هذه المعاني؛ فإن الله سبحانه وتعالى أقسم في هذه السورة به، والمقسم عليه أن الإنسان في خسر، إلا الذين جمعوا بين أسباب أربعة من استمسك بها فقد استمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، وهي الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.

وهذا يعني أن الإنسان ذكراً كان أو أنثى مسئوليته في هذه الحياة مسئولية جسيمة، فهو يتحمل تبعة كبيرة ويضطلع بأمانة عظمى؛(إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً)(3)، فبما أنه تحمل هذه الأمانة جدير به أن يعرف كيف يكون أداؤها، وكيف يتكيّف مع واقع الحياة وهو يتحملها، فعليه أولاً أن يصلح نفسه بالإيمان الذي يشرق في النفس المؤمنة ليبدد منها ظلمات الطبع ويعرفها بحقائق الوجود؛ لأنه يصلها بمبدئ الوجود سبحانه وتعالى، ويصلها بالدار الآخرة التي إليها المنقلب والمعاد.
والإيمان هو الذي يحل ألغاز هذا الوجود، لأنه يعرف الإنسان من أين أتى وإلى أين ينتهي، وماذا عليه أن يعمل فيما بين المبدأ والمنتهى، وما هي الحقوق الواجبة عليه لمبدئه الذي أخرجه من العدم إلى الوجود، وأكرمه بصنوف النعم، وأسبغ عليه سوابغ الكرم، وماذا عليه أن يعمل للدار الآخرة التي إليها منقلبه ومعاده، فجدير به أن يستمسك بهذا الإيمان.

إن الإيمان ليس أمراً مثالياً يعيش في عالم النظريات ولا يحيا في عالم الواقع، بل هو أمر واقعي يتجلى في سلوك المؤمن، فلذلك ذكره الله سبحانه وتعالى مع العمل الصالح، والعمل الصالح هو ما أمر به سبحانه وتعالى، فتحديد الصالح من الطالح، والخير من الشر، والنافع من الضار، يعود إلى أوامر الله سبحانه وتعالى ونواهيه، فكل ما وافق أمره سبحانه فهو صالح، وكل ما خالفه فهو طالح، ولا دخل لعقل البشر في ذلك، فإن العقول تتأثر بالمؤثرات النفسية والاجتماعية، ولكن المؤمن الذي رضي بالله تعالى رباً وبالإسلام ديناً وبالقرآن منهجاً وطريقاً وبمحمد صلى الله عليه وسلم هادياً ودليلاً، يستعلي على كل هذه المؤثرات ويستعلي على نزعات نفسه ونزغاتها، فلذلك يسير في الدرب السليم مهما كان تصادمه مع الواقع، أو تنكر له مجتمعه وبيئته، لأنه يرى رضوان الله سبحانه وتعالى فوق كل اعتبار، والله أولى بأن يُطاع (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)(4).

ولذلك عندما أكرم الله سبحانه وتعالى الإنسانية بإخراجها من الظلمات إلى النور، ومن الباطل إلى الحق، ومن الغي إلى الرشد، ومن الفساد إلى الصلاح، ومن الخطر إلى السلامة، إذ بعث فيها نبياً كريماً، وأنزل عليها ذكراً حكيماً، نجد هؤلاء المؤمنين والمؤمنات في ذلك العصر استعلوا على هذه النوازع والمؤثرات بأسرها، فكان المؤمن والمؤمنة يخرجان عن الطريق المألوف إلى طريق لم يكن مألوفاً في البيئة التي نشئا فيها، والمثال الواضح الذي يدل على هذا ما ذكرته أم المؤمنين عائشة رضوان الله تعالى عليها عن نساء الأنصار، أنه عندما أنزل الله تعالى قوله:(وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(5)؛ على نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام انقلب الرجال إلى نسائهم يتلون عليهن ما أنزل الله سبحانه وتعالى في كتابه، فكان الرجل يتلو ذلك على امرأته وأمه وأخته وبنته، فقمن إلى مروطهن وشققنهن واعتجرن بها، وأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان(6) ، إن هذه المسارعة إلى طاعة الله سبحانه وتعالى ما هي إلا دليل على رسوخ الإيمان في النفس وتحكمه في العقل والقلب، وسيطرته على الفكر والوجدان والأحاسيس والمشاعر، فلذلك كانت النقلة العظيمة من حياة الجاهلية إلى حياة الإسلام والإيمان، ومن حياة الفساد إلى حياة الصلاح، ومن حياة الانحطاط إلى حياة الرقي.

ونحن بحمد الله نشاهد مثل هذه الصور ماثلة أمامنا الآن وهي تدل على الإيمان الراسخ، واليقين الصادق، والرغبة فيما عند الله، والتفاني من أجل طاعته سبحانه وتعالى، وإننا نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك في المؤمنات الصالحات القانتات، وأن يزيدهن هدى وصلاحاً وتقوى وإخلاصاً وبراً ووفاء، وأن يهيئ لهن من أمرهن رشداً، إنه تعالى على كل شيء قدير.
-------------------------------------

(1)   سورة العصر.
(2)  جاء ذلك عند الربيع بن حبيب؛ أبو عبيدة عن جابر بن زيد: أن أم المؤمنين أمرت أبا يونس مولاها أن يكتب لها مصحفاً، فقالت له: إذا بلغت هذه الآية فآذني (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى) فلما بلغها آذنها، فأملت عليه: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وقوموا لله قانتين. فقالت: هكذا سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. الربيع (185).
(3)  الأحزاب/72.
(4)  الأحزاب/36.
(5)  النور/31.
(6)  أبو داود (4101).

القسم
1
5
الكتاب
1
215