القائمـة البريدية
أدخل عنوان بريدك ليصلك جديدنا

المكتبة السمعية
المكتبة المرئية
مختـارات الفتـاوي
-------( فارغ )-------
حكم الوفاء بما ألزم به المرء نفسه
السؤال : طالبة نذرت إذا شاهدت سهرة في التلفزيون فسوف تصوم ثلاثة أشهر متتابعة ، فالتزمت بهذا النذر ولكن في يوم من الأيام كانت نائمة فصحت فشاهدت السهرة ثم تذكرت وأغلقت التلفاز ، ماذا تصنع ؟
هذه المسألة وقع فيها خلاف بين أهل العلم ، أي من ألزم نفسه شيئاً لم يكن لازماً عليه وإنما ألزمه نفسه لردعها عن أمر ما على أن يكون ذلك الذي ألزمه نفسه من جنس الطاعات كالصلاة والصيام والصدقة والحج ، ويدخل في ذلك أن يكلف نفسه إن فعل شيئاً ما أن يحج حافياً كما هو شأن كثير من الناس في وقتنا هذا ، فمن العلماء من قال بأن إلزام الإنسان نفسه شيئاً يجعله في حكم اللازم عليه وهذا هو مذهب الإمام أبي الشعثاء جابر بن زيد – رحمه الله – الذي يقول : من ألزم نفسه شيئاً ألزمناه إياه ، وذهب فريق آخر إلى أنه لا يلزمه ، لأنه أراد الامتناع فحكم ذلك حكم اليمين ، وكفارة اليمين بيّنها الله تعالى في قوله : {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ}(1) ، فعلى هذا الرأي من ألزم نفسه شيئاً عليه أن يكفر كفارة يمين وهي إطعام عشرة مساكين من أوسط الطعام ، أو كسوتهم من متوسط الكسوة المعروفة المألوفة أو أن يعتق رقبة ، فإن تعذر عليه كل ذلك بحيث لم يجد الرقبة ولم يستطع أن يطعم المساكين ولا أن يكسوهم لفقره فعليه أن يصوم ثلاثة أيام ، وكلا الرأيين له وجه من الصواب ، أما قول من قال : من ألزم نفسه شيئاً ألزمناه إياه فلعل صاحبه نظر إلى أن عدد من الأنبياء التزم بأشياء فكانت لازمة ، كما قال الله تبارك وتعالى عن إسرائيل : { إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ } (2) ، وهكذا ما كان من أهل الكتاب ، فإنهم التزموا بعض الأشياء فكانت لازمة عليهم كما ذكر الله تبارك وتعالى عن رهبانية النصارى ، ولكن في شريعتنا ليس لنا أن نشرع شيئاً لم يشرعه الله تعالى لنا ، فلذلك شدّد الله في التحليل والتحريم ، فليس للإنسان أن يحلل ويحرم من تلقاء نفسه كما قال : {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} (3)، وقال : {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}(4) ، وأما الذين ألزموه كفارة اليمين فقد اعتبروا قصده عندما قال إن فعل كذا فعليه كذا ؛ فإنما أراد بذلك الامتناع وحكم ذلك حكم اليمين ، فيتوسع بقول من قال بأنه تلزمه كفارة يمين لا غير ، وعسى أن تجزي كفارة يمين بسبب صنيعها الذي صنعته والله أعلم .
(1) الآية رقم 89 من سورة المائدة .
(2) الآية رقم 93 من سورة آل عمران .
(3) الآية رقم 116 من سورة النحل .
(4) الآية رقم 140 من سورة الأنعام .