القائمـة البريدية
أدخل عنوان بريدك ليصلك جديدنا

المكتبة السمعية
المكتبة المرئية
مختـارات الفتـاوي
-------( فارغ )-------
حكم تحريم الحلال
السؤال : فتاة قالت لابن عمها : أنت حرام علي ولن أتزوجك ولو كنت آخر زوج في العالم وكذلك هو ، وشاءت الأقدار أن يتزوجا ببعضهما وأتيا بأطفال ، فما حكم ذلك القول في هذه الحالة ، وما واجبهم نحو ما فعلوه مع العلم أن هذا الكلام يؤنب ضميريهما؟
ما أخطر هذا القول وما أفحشه وأسوأه ! ذلك أن التحليل والتحريم ليسا من اختصاص البشر وإنما هما من شأن الله سبحانه وتعالى ، وإقدام الإنسان على تحريم ما أحل الله تعالى كإقدامه على تحليل ما حرم ، فكل واحد منهما كفر ، لأنه رد لحكم الله تعالى ، ومن رد حكم الله فقد كفر كفر ملة إن لم يكن متأولاً ، وهذا ما نجد دلائله في القرآن ، فالله تعالى شدّد في كتابه كثيراً على الذين يقدمون على التحليل والتحريم من تلقاء أنفسهم ، فقد قال سبحانه وتعالى : {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} (1)  ، وقال سبحانه : {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} (2)  ، وقال تعالى : {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}(3) ، فهذه الآيات كلها تدل على أن تحريم ما لم يحرم الله تعالى إنما هو افتراء كذب على الله ، وافتراء الكذب على الله أمر مخرج من ملة الإسلام – والعياذ بالله - ، وبجانب هذا نرى النصوص الأخرى تدل على أن تحريم الحلال من شأن المشركين ، فالله تعالى يقول : {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} (4)، ويقول سبحانه : {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} (5) ، وقد حَاجَّ الله المشركين في تحريمهم ما حرموا من الطيبات حيث قال : {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)}(6)، فتحريم الحلال ليس من شأن المسلمين . فما للإنسان والإقدام عليه .
ولا ريب أنه إذا صدر ذلك من رجل في حق امرأة قبل الزواج أو صدر ذلك من امرأة في حق رجل لا يحرم أحدهما على الآخر ، لأن قولهما قول كاذب ، ولكن هل تلزم في ذلك كفارة يمين ؟ الذي نأخذ به أنه تلزم ، لأن الله تبارك وتعالى قرن في كتابه الكريم بين تحريم طيبات ما أحل وبين الكفارة ، وهذا الاقتران يوحي بأن الكفارة تلزم في هذا ، فإن الله تعالى يقول : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88)} (7)، ثم أتبع ذلك قوله : {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(8)، فهذا الاقتران ما بين ذكر التحريم وذكر كفارة اليمين دليل على أن كفارة اليمين تجب في مقابل التحريم كما تجب في مقابل الحنث في اليمين .
وذلك أيضاً مما يتأكد بقول الله تعالى في سورة التحريم : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2)}(9)، والله تعالى أعلم .
(1) الآية رقم 116 من سورة النحل .
(2) الآية رقم 59 من سورة يونس .
(3) الآية رقم 140 من سورة الأنعام .
(4) الآية رقم 148 من سورة الأنعام .
(5) الآية رقم 35 من سورة النحل .
(6) الآية رقم ( 143-144) من سورة المائدة .
(7) الآية رقم ( 87-88) من سورة المائدة .
(8) الآية رقم 89 من سورة المائدة .
(9) الآية رقم ( 1-2) من سورة التحريم .