القائمـة البريدية
أدخل عنوان بريدك ليصلك جديدنا

المكتبة السمعية
المكتبة المرئية
مختـارات الفتـاوي
-------( فارغ )-------
حكم زواج الرجل بمزنيته
السؤال : سماحة الشيخ أكتب إليكم هذا البحث حول موضوع الزواج من الزانية ، وقد سبق وأن أعلمتومني بأنه حرام ، ولكن في المذاهب الأخرى هو جائز ، وهذا هو رأي الجمهور، فهل من الممكن أن ترسلوا إليّ الأدلة القاطعة أو حتى أسماء الكتب التي يمكن أن تفيدني بخصوص هذا الموضوع ؟! 
فقد قرأت كتاباً يدعى " تفسير آيات الأحكام " لصاحبه الشيخ محمد علي الصابوني .. جاء فيه : أن الزنى في اللغة هو وطء الرجل المرأة في الفرج من غير نكاح ولا شبه نكاح .
وأيضاً في قصة " ماعز بن مالك الأسلمي " عندما زنى بجارية فذهب إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم- ، وقال له : (إني زنيت فطهرني) ، فقال له الرسول     -صلى الله عليه وسلم - : " لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت " قال لا. فسأله النبي - صلى الله عليه وسلم - باللفظ الصريح الذي معناه (الجماع) ، قال : نعم . قال : "حتى غاب ذلك منك في ذلك منها " ؟! قال : نعم . قال : " كما يغيب الميل في المكحلة والرشاء في البئر " ؟! قال : نعم . فسأله النبي - صلى الله عليه وسلم - : "هل تدري ما الزنى " ؟ قال : نعم ، أتيت منها حراماً ما يأتي الرجل أهله حلالاً .. إلى آخر الحديث(1) .
فهل هذا دليل على أنه إذا لم يدخل الرجل على المرأة ، ولم يقع مثل قول الرسول  - صلى الله عليه وسلم - " حتى غاب ذلك منك في ذلك منها " إذا لم يحصل هذا ، هل هذا دليل على جواز زواجهما بعد التوبة النصوح ؟
وما رأيكم في حديث عائشة ، أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- سئل عن رجل زنى بامرأة وأراد أن يتزوجها فقال : " أوله سفاح وآخره نكاح ، والحرام لا يحرم الحلال ".
أراني شبه مقتنعة بهذا الحديث ، لأنه كيف للحرام أن يحرم الحلال ، وهذا يشبه من دخل بستاناً ثم سرق ثمرة وبعد ذلك أتى صاحبه واشترى منه ثمرة ، فما سرق حرام وما اشترى حلال ، والسرقة لم تحرم الشراء والحلال ، فما ردكم ؟! وهذا الحديث مما أخذ به الفقهاء الأربعة من الأئمة المجتهدين ، وسبق وأن قلتم إنه الأفضل للتائبة أن تتزوج العفيف ، إن العفيف لن يرضى بهذا وليس ببعيد أن يطلقها في اليوم التالي ويفضحها إذا كانت قد فقدت غشاءها ، وإن أبقاها فلن يوجد هناك شيء اسمه الطمأنينة وسيشك فيها في أقل التصرفات، فما مصير الزانية ؟ إنه عدم الزواج؟! 
وهناك حديث ينص على أنه " لا ينكح المجلود إلا مثله " فكيف التوفيق بين القولين؟!
أرجو أن تفيدوني جزاكم الله خيراً . 
وإذا لم يدخل الرجل على المرأة ولم ينزل فهل يجوز لهما التزاوج ؟ ولكم جزيل الشكر .
(1) رواه أبو داود والنسائي وغيرهم.
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .  أما بعد/ فقد اطلعت على هذا البحث حول زواج الزاني بالتي زنى بها ، والذي أقوله: إن ما ذهب إليه أصحابنا - رحمهم الله - هو القول الأحوط والأسلم والأقطع لشأفة الفساد ، وهو مروي عن جماعة من الصحابة - رضوان الله عليهم - منهم أم المؤمنين عائشة وابن مسعود والبراء بن عازب ، فقد روي عن كل من هؤلاء أن من زنى بامرأة ثم تزوجها فهما زانيان أبداً ، وهو الملائم لقاعدة من تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه ، وهذا هو الذي يتفق مع ما أشار إليه الكتاب العزيز من روح العلاقة الزوجية  حيث قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم : 21] فالعلاقة الزوجية سكون وطمأنينة ، وأنى يسكن قلب رجل أو امرأة إلى من بلاه بنفسه وقاسمه الفحشاء؟ أتعزب عن أحدهما تلك الساعات الماجنة التي انغمسا فيها جميعاً في حمأة الرذيلة وتعاطيا فيها كؤوس الهوى ، استجابة لنداء الشيطان ؟ أو لا يمكن أن تكون بين أحدهما وبين آخر نفس تلك العلاقة الشهوانية التي كانت بينهما من قبل ؟ أو لا تنتاب كلاً منهما هذه الوساوس فتقض عليه مضجعه وتؤرق ليله وتشغل نهاره ؟ بلى وألف بلى ولا يماري في ذلك إلا غمر أو غوي . 
ولا ريب أن إباحة التزاوج بين الزانيين يفتح باب الفحشاء على مصراعيه عند عباد الشهوات ما دام الأمر ميسوراً إلى هذا القدر ، بحيث يمكن للشاب والفتاة أن يلتقيا في ظل الفحشاء وعلى بساط الشهوات فيستمتعا ما شاءا ثم يختتما صفحتهما بالزواج ، وكم من ذئب من ذئاب البشر افترس العديد من الفتيات بمخالب هذا الأمل الخادع فرزأهن في أغلى شيء في حياتهن ، ثم رفسهن برجله باحثاً عن أخريات ، بعدما كانت كل واحدة منهن تأمل بأن يكون في يوم من الأيام شريك حياتها وفارس أحلامها ، فإذا بهذا الأمل الحلو الذي كان يداعب خيالها باستمرار يتحول إلى ألم مر ، وهمّ يملأ جوانب الصدر يقض عليها ليلها ، بعد أن رزأها في كرامتها وخلف في أحشائها جنيناً إما أن يواجه الدنيا منبوذاً هجيناً ، وإمّا أن تكون نهايته الوأد في مصحات الإجهاض ، أو ليس مثل هذا القول الصارم هو الترياق النافع لمثل هذا التلاعب بالأعراض والتغرير بأمثال هذه الفتيات الأغمار ، خصوصاً في هذا العصر الذي استشرى فيه داء الفساد ففتك بالفضيلة وأمات الأخلاق ؟ على أن باب سد الذرائع من أبواب الفقه الواسعة التي تتسع لكثير من القضايا ، وقد ولج منه كثير من الفقهاء منذ الصدر الأول لعلاج كثير من المشكلات. 
هذا ؛ ومما يجب أن لا يعزب عن البال أن الرابطة الزوجية رابطة مقدسة يجب أن لا يحوم حولها دنس وأن لا تلتصق بها ريبة ، وفي مواقف السلف الصالح من العديد من القضايا ما يؤكد ذلك ، ففي موطأ الإمام مالك : أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فرق بين رجل وامرأة تزوجها واقترن بها قبل انسلاخ عدتها وقال : " لا يجتمعان أبداً " ، وقد أخذ بمذهبه هذا مالك والليث والأوزاعي ، ونص ما في الموطأ من حكم عمر في ذلك " عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن سليمان بن يسار أن طليحة الأسدية كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها فنكحت في عدتها ، فضربها عمر بن الخطاب وضرب زوجها بالمخفقة ضربات وفرق بينهما ثم قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - " أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوج بها لم يدخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الزوج الأول ثم كان الآخر خاطباً من الخطاب ، وإن كان دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الأول ثم اعتدت من الآخر ثم لا يجتمعان أبداً " وذكر العلامة أبو الوليد الباجي في شرحه " المنتقى على موطأ مالك " أن القول بتأبيد تحريم المدخول بها في العدة على الداخل بها قاله أيضاً أحمد بن حنبل ، واستدل له الباجي بحكم عمر - رضي الله عنه - واتبع ذلك قوله : وكانت قضاياه تسير وتنتشر وتنقل في الأمصار ولم يعلم له مخالف فثبت أنه إجماع ، قال القاضي أبو محمد : وقد روي مثل ذلك عن علي بن أبي طالب ولا مخالف لهما مع شهرة ذلك وانتشاره وهذا حكم الإجماع .
وليس هذا فحسب بل لمالك قول بتحريمها عليه ولو دخل بها بعد العدة ، وهو منصوص عليه في المدونة ، بل حكى ابن الجلاب عنه أنها تحرم عليه بمجرد العقد نقل ذلك القرطبي ، وإذا كان هذا الحكم في وطء بني على عقد وإن كان غير صحيح بل في نفس العقد غير الجائز، فما بالك بالزنى الصريح أليس أحق بالحرمة الأبدية مع لزوم الحد الشرعي به ؟ وقد علمت أن عمر رضي الله عنه لم يقم الحد الشرعي على اللذين فرق بينهما فرقة أبدية لتزواجهما في أثناء العدة ، بل اكتفى بتعزيرهما للشبهة الحاصلة . وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المتلاعنين " لا يجتمعان إلى يوم القيامة "[رواه مالك في الموطأ والشافعي وأبو داود] وإذا كان هذا الحكم في اللعان مع إمكان أن تكون المرأة بريئة فكيف بالزنى ؟ 
أما ما يروى : من أن أوله سفاح وآخره نكاح . فهو محكي عن ابن عباس -رضي الله عنهما - وليس عن عائشة ، والله أعلم بصحته عنه ، ومع تقدير صحته فالأولى أن يحمل على ما لو زنى رجل بامرأة في جاهليتهما ، فإن زناه بها لا يحرمها عليه في الإسلام ، لأن الإسلام جب لما قبله، وعلى أيّ حال فإنه قول موقوف على صحابي خالفه غيره من الصحابة فلا تنهض به حجة .
وحديث " لا ينكح المجلود إلا مثله " لا يقتضي بحال حصر النكاح في الذي جلد بسببه ، حتى يعد دليلاً على جواز نكاح الزاني للمزني بها ، وإنما يعنى أن المحدود على الزنى ليس كفءاً لغير المحدود ، وأما قياس الزنى على السرقة من البستان ، فكما لا يحرم على السارق شراء البستان  الذي سرق منه لا يحرم كذلك على الزاني أن يتزوج مزنيته ، فهو قياس فاسد للبون الشاسع بين الأصل والفرع ، فإن الإنسان لا يحرم عليه امتلاك بستان سرق منه أبوه أو ابنه ، ويحرم عليه تزوج المرأة التي زنى بها أحدهما ، ويجوز له أن يمتلك بستاناً كان ملكاً لأبيه أو ابنه ولا يجوز له أن يتزوج من كانت حليلة لأحدهما . 
هذا والزنى المحرم هو الذي يجب به الغسل ويثبت به الحد الشرعي ، وهو غيبوبة الحشفة أو مثلها من فاقدها في فرج المرأة والله أعلم .