القائمـة البريدية
أدخل عنوان بريدك ليصلك جديدنا

المكتبة السمعية
المكتبة المرئية
البعثةُ المحمديّةُ
بتاريخ 10 ديسمبر 2012
سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

البعثةُ المحمديّةُ

 

   الحمدُ للهِ ربِّ العالمين الذي منَّ } عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ { ( آل عمران/164) ، سبحانه اصطفاه من بينِ الرسلِ ، فجعلَه أفصحَهم لساناً ، وأبلغَهم بياناً ، وأقواهم برهاناً ، وجعلَه اللهُ سبحانه رحمةً للعالمين ، وسراجاً للمهتدين ، وإماماً للمتقين ، أحمدُه تعالى بما هو له أهلٌ من الحمد وأثني عليه ، وأستغفرُه من جميعِ الذنوبِ وأتوبُ إليه ، وأؤمنُ به وأتوكّلُ عليه ، من يهدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ، ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريكَ له ، } هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ { ( التوبة/33) ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُه ورسولُه ، أرسلَه اللهُ إلى خلقِه بشيراً ونذيراً ، وداعياً إلى اللهِ بإذنِه وسراجاً منيراً ، فبلَّغَ الرسالةَ ، وأدَّى الأمانةَ ، ونصحَ الأمّةَ ، وكشفَ اللهُ به الغمّةَ ، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدِكَ ورسولِكَ سيدِنا محمدٍ ، وعلى آلِه وصحبِه ، وعلى كلِّ من اهتدى بهديه ، واستنَّ بسنتِه ، وسارَ على نهجِه ، ودعا بدعوتِه إلى يومِ الدِّينِ ، أما بعدُ : 

   فيا عبادَ اللهِ :

    إنَّ المؤمنين ـ وهم يمرّون بهذا الشهرِ الكريمِ ـ جديرٌ بهم أن يأخذوا شيئاً من نسماتِه الثريّةِ ونفحاتِه القدسيّةِ من ذكرى رسولِ اللهِ  صلى الله عليه وسلم  التي تداركُ اللهُ تباركَ وتعالى به هذا الوجودَ ، وأنقذَ به هذه الأرضَ بعدما استحكمتْ فيها الضلالةُ ، وتوزّعتْ بالناسِ فيها السبُلُ ، فصاروا شِيَعاً وأحزاباً ، كلُّ حزبٍ بما لديهم فرِحون ، وكانوا أبعدَ ما يكونون عن هدايةِ الواحدِ ، وعن صلتِهم برسالاتِ السماءِ من أجلِ مرورِ فترةٍ عليهم انقطعتْ فيها رسالاتُ اللهِ سبحانه وتعالى من هذه الأرضِ .

     وقد جعلَ اللهُ سبحانه كلَّ رسالةٍ جاءت قبلَه  صلى الله عليه وسلم  بشارةً بمبعثِهِ وتمهيداً لرسالتِه ، فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقولُ : } وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ { ( آل عمران/81) ، كما أنَّ اللهَ سبحانه ذكرَ عن أهلِ الكتابِ بأنّهم يعرفونه كما يعرفون أبناءَهم ، وذلك من خلالِ ما عرفوه من نعوتِهِ التي نطقَ بها كتابُهم ، وقد بيّنَ سبحانه وتعالى أنهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراةِ والإنجيلِ ، يأمرُهم بالمعروفِ ، وينهاهم عن المنكرِ ، ويضعُ عنهم إصرَهم والأغلالَ التي كانت عليهم ، فلم يبقَ لأحدٍ عذرٌ عن الإيمانِ به ـ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه ـ ، وحكى اللهُ سبحانه وتعالى تبشيرَ المسيحِ به عندما قالَ : } وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ { ( الصف/6) ومع ما لحقَ الكتابين من التحريفِ والتبديلِ ؛ فإنَّ أكبرَ البشائرِ به  صلى الله عليه وسلم  لا تزالُ موجودةً فيهما ، بل جميعُ الكتبِ المقدسةِ عند أصحابِ النِّحلِ السابقةِ لا تزالُ فيها بشاراتٌ بمبعثه ـ عليه أفضلُ الصلاةِ والسلامِ ـ وهذا يعني أنَّ رسالتَه  صلى الله عليه وسلم  رسالةٌ مهيمنةٌ على الرسالاتِ السابقةِ ، فما من رسالةٍ من تلك الرسالاتِ إلا وقد وقعتْ بمبعثِه  صلى الله عليه وسلم  تحت هيمنةِ رسالتِه ـ عليه أفضلُ الصلاةِ والسلامِ ـ ، فجميعُ الأممِ وجميعُ الشعوبِ وجميعُ الثقلَينِ عليهم أن يؤمنوا بهذه الرسالةِ الخاتمةِ التي جعل اللهُ سبحانه وتعالى فيها كلَّ خيرٍ ، ومن كفرَ به فالنارُ موعدُه كما يقولُ سبحانه : } وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ { ( هود/17) .

     ولا ريبَ أنَّ رسالتَه صلى الله عليه وسلم  رسالةٌ جامعةٌ لما تفرّقَ من رسالاتٍ سابقةٍ، فهي تناولت جانبَ العقيدةِ ، وتناولت كلَّ جانبٍ من جوانبِ هذه الحياةِ ، فأقامت الناسَ على طريقةٍ سواءٍ عرّفتهم بما لهم وما عليهم ، وحلّت ألغازَ هذا الوجودِ ، فوصلت الدنيا بالآخرةِ ، والمخلوقَ بالخالقِ ، والمبدأَ بالمصيرِ ، وعرّفت كلَّ إنسانٍ بما له وما عليه في هذه الحياةِ ، وأوّلُ شيءٍ مسحتْه هذه الرسالةُ من الضلالاتِ ضلالةُ الإشراكِ باللهِ سبحانه ، فإنها أقامت الحججَ على عبادِ اللهِ ؛ لأنَّ اللهَ سبحانه وتعالى إلهٌ واحدٌ ، هو الذي يصرِّفُ هذا الوجودَ ، وأنَّ كلَّ مَن عداه فهو مخلوقٌ له سبحانه } إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا { ( مريم/93 ـ 95) ، كما عرّفت الناسَ بأنهم ليس لهم من الأمرِ شيءٌ ؛ إذْ جاءَ في هذه الرسالةِ خطابُ اللهِ تعالى لنبيِّه ـ عليه أفضلُ الصلاةِ والسلامِ ـ وهو أعظمُ البشرِ كافةً وأقربُهم إلى اللهِ سبحانه ؛ ومع ذلك جاءَ هذا الخطابُ ليقولَ له ليس لك من الأمر شيءٌ ، ويأمرَه أن يعلنَ على الناسِ أجمعين بأنه لا يملكُ لنفسِه نفعاً ولا ضرّاً إلا ما شاءَ اللهُ } قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ { ( الأعراف/188)  ، وأقامَ لهم الحججَ والبراهينَ على وحدانيةِ اللهِ تعالى ، فإنَّ اللهَ عزَّ وجلّ عندما قالَ : } وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ { ( البقرة/163) أتبعَ ذلك قولَه : } إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ { ( البقرة/164) .

     ونعى سبحانه وتعالى على المشركين الذين اتخذوا مع اللهِ آلهةً أخرى مع قيامِ البراهينِ على أنّه سبحانه وتعالى إلهٌ واحدٌ ، فهم يعترفون أنّه هو الذي خلقَ السماواتِ والأرضَ ، فكيفَ مع ذلك يعبدون غيرَه ، وكيف يتضرّعون إلى ما سواه ، يقولُ سبحانه : } قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ { ( الرعد/16) ويقولُ عزَّ وجلَّ : } وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ { ( الزمر/38) ، كلُّ ذلكَ من أجلِ تطهيرِ هذه النفوسِ من زيغِ المعتقدِ ، ومن أجلِ تخليصِ هذه الرقابِ من الخضوعِ لغيرِ اللهِ سبحانه ، ففي هذه العقيدةِ الحقّةِ التي بُعث بها النبيُّ  صلى الله عليه وسلم  كما بُعِثَ بها المرسلون مِن قبلُ ـ وهي عقيدةُ التوحيدِ ـ تخليصٌ لهذا الإنسانِ ، وتحريرٌ لرقبتِه من الخنوعِ والخضوعِ لغيرِ اللهِ سبحانه ، فلا يتعلّقُ هذا الإنسانُ إلا باللهِ عزَّ وجلَّ ، ولا يطلبُ قضاءَ حاجاتِه إلا من اللهِ ، ولا يتوجّهُ بسؤالِه وابتغائِه الفضلَ إلا إلى اللهِ عزَّ وجلَّ .

     هذا .. وقد حلّت هذه الرسالةُ كلَّ مشكلةٍ من مشكلاتِ البشرِ ، فإنّها عرّفت الناسَ بما لهم وما عليهم ، فأقامت الصِّلةَ بينَ العبادِ وبينَ ربِّهم عزَّ وجلَّ ، وأقامت العلاقةَ بين الناسِ أجمعين ، فأقامت العلاقةَ الحسنةَ بينَ الآباءِ والأمّهاتِ من جهةٍ ، وبين الأبناءِ والبناتِ من جهةٍ أخرى ، وأقامت العلاقةَ الحسنةَ ما بين الإخوةِ ، وأقامت العلاقةَ الحسنةَ ما بين المسلمِ وسائرِ المسلمين ، وأقامت العلاقةَ الحسنةَ ما بين المسلمِ وما بين سائرِ البشرِ باعتبارِ أنّهم جميعاً عبادٌ للهِ سبحانه وتعالى ، ومن حسنِ أداءِ حقوقِهم أن يُدعَوا إلى عبادةِ اللهِ تعالى وحدَه ، وأن يُعرّفوا بما لهم وما عليهم ، وأقامت العلاقةَ الحسنةَ بين الإنسانِ ونظامِ هذا الكونِ ، وأقامت العلاقةَ الحسنةَ بين كلِّ ذي صلةٍ وصلةٍ ، وهكذا جاءَ هذا الدينُ الحنيفُ بحلِّ كلِّ مشكلةٍ من مشكلاتِ الإنسانيةِ إلى أن يرِثَ اللهُ الأرضَ ومَن عليها ، ولئِنْ كان المسلمون يحتفُون بذكرياتِه  صلى الله عليه وسلم  ويجعلون ذلك تأكيداً لمحبّتِهم للهِ ؛ فإنَّ عليهم أن يُدركوا أوّلاً وقبلَ كلِّ شيءٍ أنَّ عليهم أن يقدّموا هذا الدينَ الحنيفَ تطبيقاً بين الشعوبِ والأممِ حتى تكونَ البشريّةُ على بيّنةٍ من أمرِها ؛ إذ لا تُحلُّ أيُّ مشكلةٍ من مشكلاتِ الإنسانيةِ إلا من عقائدِ هذا الدينِ الحنيفِ .

      فاتقوا اللهَ يا عبادَ اللهِ ، وراعُوا حقوقَ اللهِ الواجبةَ عليكم ، وراعُوا حقوقَ رسولِه  صلى الله عليه وسلم  ، فإنَّ للهِ سبحانه وتعالى الذي برَأَكم مِن عدَمٍ ، وأسبغَ عليكم سائرَ النعمِ حقّاً عظيماً ؛ إذْ كلُّ ما في جسمِ الإنسانِ بل وكلُّ ما في هذا الكونِ نِعمٌ ظاهرةٌ أسبغَها اللهُ على هذا الإنسانِ ، وراعُوا حقَّ النبيِّ  صلى الله عليه وسلم  ؛ فإنَّ اللهَ سبحانه وتعالى أنقذَكم به ، وقد قالَ ـ عليه أفضلُ الصلاةِ والسلامِ ـ : « أنا آخذُ بحُجزِكم عن النارِ » ، وجاءَ في الحديثِ الصحيحِ عن النبيِّ  صلى الله عليه وسلم  في بيانِ ما له من حقٍّ ؛ إذْ قالَ ـ عليه أفضلُ الصلاةِ والسلامِ ـ : « لا يؤمنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من والدِه وولدِه والناسِ أجمعين » ، وفي روايةٍ : « والذي نفسي بيدِه لا يؤمنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من والدِه وولدِه » ، ويقولُ  صلى الله عليه وسلم  : « ثلاثٌ مَن كنَّ فيه وجدَ حلاوةَ الإيمانِ : أن يكونَ اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما ، وأن يُحِبَّ المرءَ لا يُحبُّه إلا للهِ ، وأن يكرهَ أن يعودَ في الكفرِ كما يكرهُ أن يُقذَفَ في النارِ » ، فمحبّةُ النبيِّ  صلى الله عليه وسلم  تأتي بعد محبّةِ اللهِ ، وهما فائقتانِ على محبّةِ كلِّ خلْقِ اللهِ عزَّ وجلَّ ، فمحبّةُ اللهِ من حيثُ إنّه سبحانه وتعالى متصِفٌ بالجلالةِ والعَظَمةِ ، ومن حيثُ إنّه سبحانه قد أسبغَ على عبادِه النِّعمَ ، ومحبّةُ النبيِّ  صلى الله عليه وسلم  لأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ برّأَه مِن كلِّ العيوبِ ، ورفعَ قدْرَه فوقَ الناسِ أجمعينَ ؛ ولأنَّ اللهَ تعالى جعلَ إنقاذَ البشريّةِ على يديه ـ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه ـ بهذه الرسالةِ التي بُعِثَ بها ، فيجبُ أن يسارِعَ الإنسانُ إلى طاعةِ اللهِ وإلى طاعةِ رسولِه  صلى الله عليه وسلم   ، وأن يشكرَ اللهَ على هذه النِّعمِ في وضعِها في موضعِها واستخدامِها في طاعتِه تعالى .

    فاتقوا اللهَ يا عبادَ اللهِ ، والزمُوا طاعتَه في سرِّكم وجهرِكم . أقولُ قولي هذا ، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ  لي ولكم ، فاستغفِروا اللهَ يغفرْ لكم ؛ إنّه هو الغفورُ الرحيمُ ، وادعوه يستجبْ لكم ؛ إنّه هو البرُّ الكريمُ .

*         *          *

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين ، والعاقبةُ للمتقين ، ولا عدوانَ إلا على الظالمين ، أحمدُه تعالى بما هو له أهلٌ من الحمدِ وأشكرُه ، وأتوبُ إليه من جميعِ الذنوبِ وأستغفرُه ، وأؤمنُ به ولا أكفرُه ، وأُعادي من يكفرُه ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريكَ له ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُه ورسولُه ، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدِكَ ورسولِكَ سيدِنا محمدٍ ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين ، وعلى أتباعِه وحزبِه إلى يومِ الدِّينِ ، أمّا بعدُ :

   فيا عبادَ اللهِ :

     اتقوا اللهَ ، وأدّوا ما عليكم له من حقٍّ ، فمِن حقِّ اللهِ سبحانه وتعالى أن تطيعُوه ولا تعصُوه ، وأن تشكرُوه ولا تكفرُوه ، وأن تعبدوه وحده ولا تشركوا في عبادتِه أحداًً ، وعليكم أن تؤدّوا ما عليكم له من حقٍّ في طاعةِ نبيِّه  صلى الله عليه وسلم  ؛ فإنَّ طاعةَ النبيِّ  صلى الله عليه وسلم  من طاعةِ اللهِ تعالى ، إذ اللهُ سبحانه وتعالى يقولُ : } مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا { ( النساء/80) ، ويقول سبحانه : } وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ { ( النساء/64) ، فأطيعوا اللهَ ، وأطيعوا رسولَه  صلى الله عليه وسلم  ، واعلموا أنَّ طاعةَ اللهِ تعالى تتجسّدُ في اتّباعِ النبيِّ  صلى الله عليه وسلم  ، وفي ذلك تجسيدٌ لحقوقِه سبحانه ، فإنَّ اللهَ تعالى يقولُ : } قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ { ( آل عمران/31) ، فأوقعَ متابعتَه  صلى الله عليه وسلم  بين جانِبَي الحبِّ بين حبِّ العبادِ للهِ وبين حبِّ اللهِ سبحانه وتعالى للعبادِ الذي يؤدي إلى مغفرتِه لذنوبِهم ، فإذاً اتّباعُ النبيِّ  صلى الله عليه وسلم  فيه الخيرُ كلُّ الخيرِ لهذه الأمّةِ ، ويقولُ سبحانه : } لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا { ( الأحزاب/21) .

    فالزمُوا طاعةَ اللهِ وطاعةَ رسولِه  صلى الله عليه وسلم  ، وليتجسّدْ في نفوسِكم الإيمانُ بمرورِ ذكرياتِه  صلى الله عليه وسلم  حتى تنبعثَ عزائمُه في نفوسِكم ، وسارِعوا إلى إتيانِ سنّتِه وإلى نهجِ دعوتِه ، فإنَّ ذلك مسؤوليةُ كلِّ واحدٍ منكم ، إذ اللهُ سبحانه وتعالى يقولُ : } وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ { ( آل عمران/104) ، ويقولُ سبحانه : } كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ { ( آل عمران/110) ، فاتقوا اللهَ في سريرتِكم وعلانيتِكم ، وأخلِصُوا للهِ عزَّ وجلَّ جميعَ أعمالِكم .