القائمـة البريدية
أدخل عنوان بريدك ليصلك جديدنا

المكتبة السمعية
المكتبة المرئية
فقه الشريعة ضرورة حضارية
بتاريخ 10 مارس 2013
سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي

 

فقه الشريعة ضرورة حضارية

الفقه في الدين ضرورة من ضرورات الحياة؛ لأن هذه الحياة هي منحةٌ من الله -تبارك وتعالى-، وهي ليست حياة جزاء، وإنما هي حياة امتحان، فالإنسان يُخْتَبَرُ في هذه الحياة، فهو في هذه الأرض خليفة استخلفه الله -تبارك وتعالى- فيها لينظر ماذا يعمل. ومعنى ذلك أن منهاج هذا الإنسان يجب أن يكون مقيّدا بشـرعة الله -تعالى-، وأن لا يتصادم قـط مع شيء من أوامر الله -سبحانه وتعالى-، والحياة البشرية حياةٌ متطورةٌ كما هو معهود، فإن سنن الحياة هكذا منذ وجدت هذه الحياة وسفينة التطور تعبر محيطها إلى الأمام، ولم تَرْسُ أبدا في وقتٍ من الأوقات ولن ترسوَ إلى أن يصل ميقات رسوها عندما يرث الله - تبارك وتعالى- الأرض وما عليها.

ولئن كانت هذه التطورات تطورات كانت تسير عبر القرون السابقة سيرًا يتلاءم مع وضعية تلكم القرون، فإن هذه التطورات في عصرنا هذا تسير سيرًا حثيثًا، فإنها كانت قيست في الأيام الماضية بالحركة المعهودة عند البشر وهي حركة الانتقال على الأقدام أو حركة ركوب الدواب والسير عليها أو الركوب على أرماث البحر والانتقال بها من مكان إلى مكان، فإنها في وقتنا هذا تقاس بسرعة الضوء، فنحن نجد أن الرسالة عبر القرون الخالية كانت تتلقفها الأيدي وتسير بها الركبان حتى تصل إلى غايتها بعد آماد طويلة، ولكن الرسالة اليوم عبر ما يسمى بالبريد الإلكتروني تصل في نفـس اللحظـة من شتى بقـاع الأرض إلى حيـث يُرَادُ لها في أي بقعة من بقاع الأرض، تصل من أقصى الشرق إلى أقصى الغـرب ومن أقصى الغـرب إلى أقصى الشـرق بهذه السرعة المذهلة، وهكذا سنة الحياة أصبحت تتطور الآن هذا التطور المذهل.

والمسلمون إن لم يصاحبوا هذا التطور بالتنافس في ميدانه حتى يحوزوا فيه قصبات السبق ويتقدموا الأمم ويأخذوا بزمام قافلتها ويكونوا هم الربان الماهر لسفينة هذه الأمم فإنهم سيصبحون متخلفين، وكذلك عندما يكونون غير قادرين على استيعاب هذه التطورات من حيث إعطاء الحلول لمشكلاتها المستجدة فإن أمتهم ستكون مفتقرة إلى الحلول الأخرى التي تفرزها تلكم العقول المظلمة الخاوية من الروح ومن القيم الدينية. وهذا يعني انتكاسة خطيرة في عالم هذه الأمة الإسلامية كما وقعت هذه الانتكاسة الخطيرة في عالم الأمم المتحضرة بسبب فقدانها الحـل الصحيح الذي هو من عند الله -سبحان وتعالى-، لذلك كانت ضرورة القدرة على استنباط الأحكام من الأدلة الشرعية من أجل أن ينزل كل شيء منزله ومن أجل أن يبوء كل ما يحدث مبوءه من الحكم الصحيح.

فالله - تبارك وتعالى- أنزل كتابه فيه تبيان كل شيء، لكن لا عن طريق النص وإنما ذلك عن طريق الأصول والقواعد التي يمكن أن يرجع إليها، وجاءت السنة النبوية -على صاحبها أفضل الصلاة والسلام- مُفَصِّلَةً للكثير الكثير من مجملات الكتاب العزيز، وجاءت أيضًا بالكثير من القواعد التي يمكن أن ترد إليها جزئيات القضايا، فمن هنا كانت ضرورة الفهـم الصحيح بالكتاب العزيز والسنة النبوية -على صاحبها أفضل الصلاة و السلام-؛ حتى تكون هذه الحلـول حلولا نابعة من هذه الأصول: الكتاب العزيز والسنة النبوية.

ومن القواعد التي اشتمل عليها الكتاب واشتملت عليها السنة النبوية ليستهدي الناس بهدى الكتاب العزيز وبنور السنة النبوية، أن على شباب المسلمين المعنيين بدراسة العلوم الشرعية أن يكونوا حريصين على فهم عصرهم واستيعاب مشكلاته ومسايرة الركب الحضاري من حيث الفهم الدقيق لمعطيات هذه الحضارة، ولا أعني بهذه المسايرة أن يسلموا القياد لكل ما تفرزه هذه الحضارة، فإن ذلك غير مطلوب، وإنما المطلوب أن يكونوا ممسكين بزمام الحضارة يسايرونها في تقدمها السريع مع كونهم القابضين على زمامها، وذلك بإعطائهم الحلول الموافقة لشرع الله -تبارك وتعالى- في كل قضية من القضايا المستجدة من خلال الإفراز الحضاري، و الله -تعالى- الموفق.