السؤال : إذا أخبر الرجل زوجته بأنه ارتكب فاحشة الزنا منذ زمن ، فماذا عليه ؟ وهل هناك فرق بين أن يخبر بذلك وهو تائب نادم وبين حالة الإصرار ؟
يجب على من تورط فوقع في شيء من هذه القاذورات أن لا يهتك ما أرخى الله عليه من ستره ، عملاً بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - "من أصاب شيئاً من هذه القاذروات فليستتر بستر الله فإن من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله"[روه مالك والحاكم والبيهقي] ، ولئن كان استتاره أمراً مطلوباً شرعاً فيما بينه وبين أي أحد من الناس، فإن ذلك آكد فيما بينه وبين حليلته ، لتستمر العلاقة بينهما قائمة على الصفاء وحسن الظن ، فماله ولتكدير هذا الصفو بهتك ستره ، والكشف عن طوايا قبح صنيعه ؟ فإن كان قصده بذلك التوبة فإن التوبة غير موقوفة على ذلك ، وحسبه الإقلاع والندم والاستغفار وعقد العزم على عدم العودة إلى الوقوع في هذه المستنقعات الخبيثة الوبيئة مرة أخرى ، ليكون بذلك في عداد التائبين المطِّهَّرين من رجس الآثام ، اللهم إلا أن يتعلق بذمته حق لأحد من عباد الله ، كوجوب العقر[العقر هو مهر المرأة إذا وطئت بشبهه أو بغير وجه حق] للتي زنى بها ، فإنه لا بدّ له من التخلص من تبعة ذلك الحق ، إلا في حالة المحاللة بينه وبين ذي الحق بشرط أهليته لذلك ، ففي مسند الإمام الربيع بن حبيب - رحمه الله - : أبو عبيدة قال : سمعت أناساً من الصحابة يروون عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "الذنوب على وجهين ذنب بين العبد وربه ، وذنب بين العبد وصاحبه ، فالذنب الذي بين العبد وربه إذا تاب منه كان كمن لا ذنب له ، وأما ذنب بينه وبين صاحبه فلا توبة له حتى يرد المظالم إلى أهلها" ، وهذا مما لا خلاف فيه .
هذا وأما حكم حليلته التي اعترف عندها بمقارفته الفحشاء ، فقيل تحرم عليه إن كان ذلك بصريح العبارة بحيث لا يحتمل قوله معنى آخر ، وذلك لأن الله عز وجل لم يجعل الزاني أهلاً لنكاح غير الزانية وكذا العكس ، فقد قال تعالى : {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور : 3] ، وفي الآية ما يدل على انتفاء صفة الإيمان عن الزانيين ، فلا يكون أحدهما أهلاً لأن يدخل في رباط الزوجية المقدس إلا مع نظيره ، غير أن نكاح الزاني الموحد للمشركة وإنكاح الزانية الموحدة للمشرك نسخ حكمهما بقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة : 221] ، وبما أن المنسوخ إنما هو هذا الجزء من الآية، فإن ما عداه باق على أصله ، على أن الحياة الزوجية حياة استقرار وطمأنينة ، وهي تتنافى مع القلق النفسي المتولد من آثار الخيانة الزوجية ، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم : 21] ، وهيهات السكون مع الاعتراف بالفحشاء ، فإن المعترف له يبقى أسير الشكوك تجاه قرينه الذي أدين باعتراف لسانه ، وقيل : إن كذبته فيما قال أو كذب نفسه قبل أن يواقعها فله إمساكها ولها البقاء معه ، لانتفاء الشكوك في هذه الحالة ، وكذا إن كانت هي التي اعترفت له بالفحشاء فكذبها أو كذبت نفسها قبل أن يواقعها ، وقيل : إن كان اعترافه حكاية لحالة مضت على سبيل التحسر والتندم على ما أسلف من سوء مع إعلان التوبة النصوح فلا يحرمها عليه ، لأنه بتوبته عاد إلى صفة الإيمان ، وهو رأيّ وجيهّ ودلالته ظاهرة ، ولكن لا ينبغي له بحال أن يحوم حول هذا الحمى ، فإن عثرات اللسان أخطر من عثرات القدم ، وما أغناه عن الولوج في هذه المضايق المدلهمة ، والمرور بهذه المزالق الخطرة ، فقد جعل الله له مخرجاً بالتوبة النصوح بينه وبينه ، وكفى بها حلاً لمشكلته وأنّ ساً له من وحشته والله ولي التوفيق . |