القائمـة البريدية
أدخل عنوان بريدك ليصلك جديدنا

المكتبة السمعية
المكتبة المرئية
كلمة راعي حفل الهجرة النبوية 1431هــ
بتاريخ : 16 سيبتمبر , 2009

كلمة المناسبة لسعادة الشيخ/ أحمد بن سعود السيابي
الأمين العام بمكتب الإفتاء – راعي الحفل
في حفل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية للهجرة النبوية الشريفة 1431هـ
الثلاثاء 28 من ذي الحجة 1430هـ الموافق 15 ديسمبر 2009م
بقاعة المحاضرات بجامع السلطان قابوس الأكبر ببوشر



الحمد لله ميسر الاسباب وفاتح الابواب ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأواب وعلى آله والاصحاب ، وعلى تابعيهم وتابعي تابعيهم بالاجابة والايجاب صلاة وسلاما دائمين تعاقباً إلى يوم البعث والحساب .
أصحاب السعادة .
أصحاب الفضيلة .
الاخوة والاخوات .
الابناء والبنات.
الحفل الكريم .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والله انك لاحب بلاد الله اليّ ولولا ان قومك اخرجوني ما خرجت ، بهذه الكلمات المؤثرة نظر الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه الى مكان نشاته وملعب طفولته ومسرح صباه وموطن قومه اباءً واجدادا مكة المكرمة.
وليس بخاف انه ليس شيء اشق على النفس واصعب على القلب واشد على المهج من ان يترك الانسان موطنه الذي رسم فيه خطوطا عريضةومعالم جميلة للحياة.
على ان ذكر النفس عهدا ومعهدا * امض بها مما تمج الاراقـــم
والله عزوجل جعل الاخراج من الوطن رديف قتل النفس في قوله عز من قائل { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ } {النساء/66} . بيد ان كل ذلك يهون في سبيل الله وفي سبيل التضحية من اجل العقيدة ، ومن المعلوم ان العقيدة هي اسمى الاهداف لدى اصحاب المبادئ ، وهي التي دائما وابدا يجعل المخلصون حظوظ الحياة قرابين لها.
وهذا ما اراده الله عزوجل لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم واصحابه الكرام رضي الله عنهم بعد ان هيأ لهم الاسباب والمسببات ، فكانت الهجرة الكبرى والرحلة العظيمة المباركة من مكة الى المدينة ، يقول احد أولئكم المهاجرين:

فقلت لها بل يثرب اليوم وجهنـا * وما يشأ الرحمن فالعبد يركب
الى الله وجهي والرسول ومن يقم * الى الله يوما وجهه لا يخيـب
فكم قد تركنا من حبيب مناصـح * وناصحة تبكي بدمع وتنـدب
دعوت بني غنم لحقن دمائهــم * وللحق لما لاح للناس ملحـب
أجابوا بحمد لله لما دعـاهـــم * الى الحق داع والنجاح فاوعبوا
ورعنا الى قول النبي محمــــد * فطاب ولاة الحق منا وطيـبوا
ايها الحفل الكريم:
ان الهجرة من مكة المكرمة الى المدينة المنورة حرسهما الله تعالى من كل سوء ومكروه لم تكن انتقالا من مكان الى مكان ، بل كانت هجرة حياة ملؤها الشرك بالله وعبادة الاوثان وفيها تعذيب قاس للمؤمنين الى حياة ملؤها الايمان بالله وحده لا شريك له وفيها راحة وطمأنينة للمسلمين لذلك كانت الهجرة النبوية على صاحبها افضل الصلاة والسلام احدثت نقلة كبرى في تاريخ البشرية ، وحققت انجازات كبيرة للانسانية ، وتتمثل تلك الانجازات في :
1- تكريس الايمان بالله ربا خالقا فردا صمدا لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوء احد ، والايمان بالغيب وما فيه من ثواب وعقاب ، وايمان بالكتب الربانية والانبياء والمرسلين ، وهذه هي اساسيات العقيدة الاسلامية ونشر الاسلام واكتمال الشريعة الاسلامية ، على ان العقيدة في الاسلام هي قاعدة الحراك في الاسلام ، ومنطلق السلوك الاسلامي القائم على مراقبة الله تعالى وتقواه، لذلك فان جميع الايات القرانية الآمرة والناهية او اكثرها تختم بقول لعلكم تتقون، ولعل هنا ليست للترجي وانما هي للتعليل أي لتتقوا ، ومن هنالك كان المسلمون قدوة في السلوك الانساني وقدوة في التعامل الحياتي ، وقدوة في الافعال والاقوال ، وذلك هو السر في انتشار الاسلام بين الامم والشعوب.
2- التخطيط العمراني ، ذلكم التخطيط المتمثل في بناء المسجد النبوي الشريف ومن حوله المنازل والدور والطرق والسوق ، ليكون ذلك اطارا ومنطلقا للحياة وللنشاط الاقتصادي ، وذلك لان النشاط الاقتصادي لابد له من اطار ينطلق منه ويأوي إليه، ذلكم الاقتصاد القائم على مفهوم الحلال والحرام ، وعلى الصدق والامانة والشفافية بعيدا عن الربا والجشع والغش والمضاربات الوهمية ومشتقات القروض لذلك كان الاقتصاد الاسلامي الواحة الآمنة لرؤوس الاموال والمعاملات المالية .
3- الاخوة ، وتعتبر القاعدة القوية والاساس المتين لبناء الوحدة الاسلامية ، كدليل تطبيقي حي على ان الامة المسلمة امة واحدة {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ }{الأنبياء/92} {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} {المؤمنون/52} ، وقد ضرب المهاجرون والانصار اروع الامثلة في الاخاء والتلاحم والايثار ، حيث كان الانصار وهم اهل المدينة يؤثرون المهاجرين باموالهم لذلك اثنى الله عليهم بقوله { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } {الحشر/9} بيد ان المهاجرين كانوا من العزة والعفة بمكان مكين عن اخذ اموال الانصار فقد كان الانصاري يقول للمهاجر خذ من مالي ما شئت فيرد عليه المهاجر بارك الله لك في مالك دلني على السوق ، بمعنى انهم كانوا لا يعرفون الا تكاليه ، وكانوا رجال دين ودولة ، رجال عبادة وعمل ، رجال دنيا واخرى.
4-  المواطنة وهي التي نصت عليها صحيفة المدينة التي هي اول دستور اسلامي ولعلها اول دستور عالمي في مضمونها ومحتواها ، فقد بينت حقوق المواطنة والعيش المشترك بين افراد المجتمع المدني على اختلاف اعراقهم واديانهم حيث بينت ما لكل واحد او جماعة من الحقوق وما عليهم من الواجبات ، وهو تطور عالي المستوى تشهده الانسانية في تاريخها الطويل ، وكانت تلك الصحيفة كتبها النبي عليه الصلاة والسلام بين المهاجرين والانصار ، وبينهم وبين اليهود سواء كانوا اولئك الذين يشكلون قبائل كبيرة كبني النضير وبني قريظة وبني قينقاع أو الذين كانوا يشكلون جماعات صغيرة داخلة ومتخالفة مع القبائل والبطون العربية ، وقد عاش الجميع متساوين في الحقوق والواجبات في ظل بنود تلك الوثيقة الشريفة حتى نقضها اليهود شيئا فشيئا .
لهذه المعاني السامية ندرك سر اطلاق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم على بلاد المهجر الاسلامي اسم المدينة بعد ان كان اسمها يثرب وطيبة ، ولا ريب ان في هذه التسمية دلالة عظيمة توحي وتؤذن بانطلاق المدنية الاسلامية ذات البعد الحضاري الرائع.
وعلى ان الاسلام هو دين المدينة والحضارة ، لذلك كانت المدينة المنورة قاعدة انطلاق تلك الحضارة ببعديها الايماني والمادي لتعم الكون وتغطي الكرة الارضية ناشرة العدل والرحمة والأمن والأمان .
ايها الحفل الكريم :
لقد دفع الله بالمسلمين ، وامرهم بالهجرة واذن لهم في القتال كل ذلك لحماية البشرية ومقدستها الدينية ، يقول الله عزوجل { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ { 39} الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} {الحج/40} ، فقدم الله ذكر مقرات العبادة التي هي للاديان الاخرى وأخر ذكر المساجد التي هي اماكن عبادة المسلمين ، وهذه ولا شك قيمة تسامحية كبيرة ارادها الله للاسلام ، ليبين ان جميع مقرات العبادة لجميع الاديان ذات المصدر الرباني هي محميات اسلامية ، واذا كان هذا هو الاسلام في تسامحه فمال بال الغرب المسيحي من خلال احزابه اليمينية المتطرفه يضيق ذرعا بالوجود الاسلامي ومعالمه ورموزه، ونراه يطلع علينا بين الفينة والاخرى بقضية تمس المسلمين وتؤذي مشاعرهم حتى ظهرت مؤخرا قضية حظر بناء المآذن في سويسرا ، توهما بانها تحمل معاني سياسية ، مع انها من المعلوم لا تحمل معنى سياسيا ولا معنى اجتماعيا بل ولا معنى دينيا ، وانما هي معالم يهتدى بها الى وجود المساجد التي يعبد الله فيها ، شان المساجد في ذلك شان اماكن العبادة الاخرى كالكنائس مثلا.
واذا كنا نستنكر موقف تلك الاحزاب اليمينية المتطرفة ، فاننا نثمن ونقدر مواقف الحكومات الغربية على استيعابها للوجود الاسلامي وتسامحها مع ذلك الوجود ، بل وعلى دعمها له ، مطالبين اياها بعدم اعطاء الفرصة للتطرف المسيحي في خلق مناخ التوتر مع الوجود الاسلامي في الغرب ومع العالم الاسلامي.
ايها الحفل الكريم
باسمكم جميعا ارفع صادق التهاني الى المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ورعاه بالعام الهجري الجديد الذي يحمل رقم 1431 سائلا الله العلي القدير ان يحفظ جلالته وان يحفظ لنا عمان واحة امن وامان وبلد خير وازدهار انه على كل شيء قدير ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه والتابعين وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .
والسلام عليكم ورحة الله وبركاته