القائمـة البريدية
أدخل عنوان بريدك ليصلك جديدنا

المكتبة السمعية
المكتبة المرئية
المكتبة » كتاب العقل
مختـارات المكتبة
الدين الحياة
الشيخ \ أحمد بن حمد الخليلي
 
الوطء المحرم وأثره في نشر حرمة النكاح
الشيخ \ أحمد بن حمد الخليلي
 
زكاة الأنعام
الشيخ \ أحمد بن حمد الخليلي
الأكثر قراءة
90588 مشاهدةالإيلاء
الشيخ \ أحمد بن حمد الخليلي
 
 
52776 مشاهدةالدين الحياة
الشيخ \ أحمد بن حمد الخليلي
كتاب العقل الشيخ \ أحمد بن حمد الخليلي
القسم : العبادات عدد المشاهدات : 8346 مشاهدة

العقل بين جماح الطبع وترويض ا لشرع

العقل بين جماح الطبع وترويض الشرع

 


                                                                                الـعـقـــل
                                                               بـيـن جـمـاح الـطـبـع وتـرويـض الـشـرع

  أصل هذا الكتيب محاضرة ألقاها
سماحة الشيخ/ أحمد بن حمد الخليلي
المفتي العام للسلطنة

((   بجامعة السلطان قابوس  ))

من ضمن سلسلة الدروس الفكرية التي يلقيها سماحته في يوم الاثنين من كل أسبوع ثم هذبها وضم إليها بعض ما قاله في غيرها من المحاضرات مع زيادات أخرى

                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ذي الشأن الباهر، والسلطان القاهر، والبرهان الظاهر، سبحانه وسعت كل شيء قدرته، ونفذت في كل أمر مشيئته، لا تحد قدرته بحد، ولا تقيد مشيئته بقيد، هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، وهو الذي يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد، فهو المبدئ المعيد، المتقدس عن الشركاء والأنداد، وعن الصاحبة والأولاد، وعن الأعوان والأضداد، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا إخلاف لميعاده، أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد، وهو أهل لكل حمد حقيق بكل ثناء، حري بكل شكر، وأستغفره سبحانه استغفار من أشفق من ذنوبه، ولجأ إليه تعالى من كروبه، وأتوكل عليه توكل من آمن به وعول في كل أمر عليه، وفزع من كل ملم إليه، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، ومن مضلات الفتن، ومزلات الأهواء، ومن الخذلان في الأقوال والأعمال، ومن كل سوء علمناه أو جهلناه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأشهد أن سيدنا ونبينا وأسوتنا وإمامنا محمدا عبدالله ورسوله، وأمينه على دينه، وصفوته من خلقه، جمع الله فيه ما تفرق في غيره من الكمالات، وأيد دعوته بأعظم المعجزات، وخلد شريعته دون سائر الشرائع، وقطع بدعوته شأفة الفساد والمفسدين، واستأصل بحجته شبهات الإلحاد والملحدين، عليه من ربه أفضل صلواته وأزكى التسليم، وعلى آله وصحبه الغرر الميامين، وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:                                                                 

                                                                       حاجة العقل إلى الوحي:-

إن الله خلق الناس متعددي المشارب مختلفي المناهج متباينين في الأفكار والعمل، فأرسل إليهم رسله وأنزل إليهم كتبه ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة، وفضل بني آدم على كثير ممن خلق تفضيلا بما أودع فيهم من نور العقل الهادي إلى مهيع الرشد، وجعل هداية الوحي متممة لهداية العقل، إذ العقل من غير وحي يسدده ويبصره ويفتح له منافذ التفكير لا يلبث أن تنطمس بصيرته ويخبو شعاعه لما يغشاه من غواشي الأهواء وما يحيط به من المؤثرات النفسية والاجتماعية، فكم من عقول زاغت بأصحابها وهوت بهم في مهاوي سحيقة من دركات الضلال، وصدتهم عن قبول الحق والاستجابة لداعيه والنظر في براهينه، فكم حكى الله سبحانه عن أقوام جادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق منطلقين في مجادلاتهم من عقولهم السقيمة وتفكيرهم الضيق وألبابهم الحيرى، منهم من جادل في وحدانيته تعالى قائلا:(أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)(1)، ومنهم من جادل في البعث لنبو عقولهم المأفونة عن تصور إمكانه، وقد حكى الله هذه المجادلة بقوله:(أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيم)(2)، ورد على هذه الشبهة التي تصوروها أنها كالطود الأشم المنيف بما كشف لهم ولغيرهم أنها لا تساوي ذرة في الهباء إذ قال:(قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(3)، وكم تكرر في القرآن ذكر مجادلاتهم الباطلة وإتباعها بما يزهقها من حجة الحق النيرة، ومن ذلك قوله تعالى:(وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً * قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً * أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلْ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً)(4)، وقوله:(ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً)(5)، وقوله:(بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ * قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ * قُلْ لِمَنْ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّا تُسْحَرُونَ * بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)(6)، وقوله:(بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ * قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ * بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ * أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ * أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ)(7)، وأكد بطلان شبههم بقوله:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ)(8).

ولا يخفى ما في هذه المجادلات العقيمة من الدلالة على أن هؤلاء كانوا مستأسرين لأوهام تصوروها حججا دامغة، فإذا هي تتلاشى متبخرة بوهج نور الحق الذي بددها كما تبدد الشمس بوهجها الضباب الذي يواريها عن الأبصار، وما كانت هذه الأوهام إلا نتيجة اغترارهم بعقولهم المريضة التي صدتهم عن الإمعان والتفكر في آيات الله الكونية وآياته البينات في وحيه المنزل، فتصاممت عن نذر الحق وتعامت عن براهينه فغدت حيرى هائمة في متاهات الضلال مرتكسة في قيعانه السحيقة، وما ذلك إلا لأن العقل إن لم يكن معززا بتوفيق الله سبحانه وموصولا بهداية الوحي كانت غاية صاحبه الدمار والهلاك والعياذ بالله.

من أجل هذا كان الناس مطالبين باتباع الحق الذي أنزله الله والاستجابة لرسله والاسترشاد بوحيه، وبالوحي قُطع دابر شقاقهم وأُعذر إليهم من قبل ربهم، فلم يبق لهم ما يستمسكون به من الأعذار عن الاستبصار بنور الحق واتباعهم لداعيه، وذلك ما دل عليه قوله تعالى:(وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(9)،  وقوله:(كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ)(10)، فإذا تضافر العقل والوحي كان الهدى وكانت النجاة وأديا بمن اتبعهما إلى سلامة المسير وسعادة المصير، فإن العقل السليم هو الأساس الذي يشيد عليه الوحي دعائم الهداية فيشمخ بنيانها وتشتد أركانها، أما إذا تباينا فإن تلك هي الكارثة التي تودي بمن اغتر بعقله المحدود القاصر واستغنى به عن هداية الوحي، إذ العقل لا يعدو أن يكون طاقة من الطاقات البشرية المحصورة التي لا تتعدى حدودها، وما مثله إلا كمثل الحواس الظاهرة فإن كل حاسة منها لا تتجاوز حدودها، فحاسة البصر مثلا لا تدرك إلا ما حولها ولا تخترق الحجب الكثيفة لتدرك ما وراءها، وكذلك العقل تحجبه حجبا شتى عن الوصول إلى الحقيقة منها ما يرجع إلى الطبيعة الكونية ومنها ما هو من مؤثرات النفس أو البيئة والمجتمع.

---------------------------------------------------------------------

 (1) سورة  ص الآية ( 5 ).
(2) سورة  يس الآيات ( 77-78 ).
(3) سورة  يس الآيات ( 79-83 ).
(4) سورة  الإسراء الآيات ( 49-53 ).
(5) سورة  الإسراء الآيات ( 98-99 ).
(6) سورة  المؤمنون الآيات ( 81-90 ).
(7) سورة  ق الآيات ( 2-15 ).
(8) سورة  الحج الآيات ( 5-7 ).
 (9) سورة  الإسراء  الآية ( 15 ).
(10) سورة  تبارك الآية ( 8-9 ).

القسم
1
32
الكتاب
1
32