القائمـة البريدية
أدخل عنوان بريدك ليصلك جديدنا

المكتبة السمعية
المكتبة المرئية
مختـارات الفتـاوي
-------( فارغ )-------
حكم اللحوم المستوردة
السؤال :

كنا نأكل لحم الدجاج المستورد من خارج البلاد ، وبما أنني أداوم على سماع برنامجكم القيّم سمعت تحذير سماحتكم من أكل هذه اللحوم ، ومنذ ذلك الحين حرّمتها على أسرتي ، ولكن زوجي لا يوافقني في ذلك ويقول : إن جميع المسلمين يأكلونها كذلك يأكلها حجاج بيت الله الحرام ، ثانياً يقول : ما جاء في الآية الثالثة من سورة المائدة ، وفي الآية مائة وثلاثة وسبعين من سورة البقرة ، وحجته نحن مضطرون ، ثالثاً يقول : إن طعام أهل الكتاب حلٌ لنا ، رابعاً يقول : يوجد حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : "" لا تجتمع أمتي على ضلالة ""[رواه الربيع باب في الأمة (39)]  وترى المسلمين مجتمعين على أكله ، خامساً يقول : هل من المعقول أنه يوضع عليه أنه ذبح على الطريقة الإسلامية للتضليل ؟ والغربيون عُرفوا بالصدق والأمانة وأرجو كذلك أن توضح لي هل اللحم الهندي والذي أقسم صاحبه – أي الرجل – بأنه مسلم واللحم لحم إسلامي حلال علينا أكله أم حرام ؟

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمورٌ مشتبهات لا يعرفهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ، ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه "[رواه البخاري في كتاب البيوع باب الحلال بين رقم (1946) رواه مسلم في كتاب المساقاة باب أخذ الحلال وترك الشبهات رقم (1599)] ، فالحلال – كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم - بيّنٌ والحرام بيّنٌ ، ولكن بين الحلال والحرام أمورٌ مشتبهة يجب على المسلم أن يتجنبها لئلا يقع في الحرام ، ولا ريب أنني أغبط هذه السيدة السائلة على تجنبها ما تخشى أن يكون حراماً ، وأريد أن أوضح لها ولغيرها أنني لست أحرم كل لحم مستورد ، بل أقول : إن اللحم ينقسم إلى أقسام ، وذلك أن الله سبحانه وتعالى بيّن لنا في محكم كتابه ما يحل وما يحرم ، فقد حرّم سبحانه علينا في سورة المائدة أشياء من المأكولات إذ قال عز من قائل : {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة : 3]  ، وجاءت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تضيف إلى قائمة المحرمات أشياء جديدة منها : ذوات الناب من السباع وذوات المخالب من الطير[رواه الربيع باب أدب الطعام والشراب رقم (387)]  ، ومنها : الحمر الأهلية[رواه الربيع باب أدب الطعام والشراب رقم (388)]  ، وجاء أيضاً في كتاب الله تعالى تحريم الصيد مطلقاً على المحرم ، كما ثبت أيضاً تحريم صيد الحرم على المحرم والمحل على السواء ، هذه هي المحرمات من جنس الحيوانات وما عداها فهي محللة ولكن بشرط أن تذكى على الطريقة الشرعية ، إما بالصيد فيما لا يمكن أن يذبح أو ينحر ، وإما بالذبح فيما يذبح أو بالنحر فيما ينحر ، ولابد مع ذلك كله أن يذكر اسم الله تعالى عند إرسال السهم أو إغراء الكلب أو عند الذبح أو النحر على السواء ، لقول الله تعالى : {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام : 121]  ، ولقوله سبحانه : {وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة : 4]  ، ولقوله تعالى : { فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج : 36]  ، وهذه الآيات كلها تفيد اشتراط ذكر اسم الله ، ولقد ورد ذلك في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وهناك شرط آخر وهو أن يكون المذكي إما مسلماً وإما كتابياً ، فإذا كان الذبح على غير الطريقة التي يباح بها أكل المذبوح فلا يصح أكل لحمه سواء كان الذابح مسلماً أو كتابياً ، وذلك كما إذا كان بالصعق الكهربائي الذي هو معروف الآن في كثير من أقطار العالم فلا يعطى الحيوان بذلك حكم المذكى سواء كان الصاعق مسلماً أو غير مسلم ؛ لأن الصعق الكهربائي ليس هو الذبح الشرعي الذي يبيحه الله تعالى والذي دلت عليه السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام في شيء ، وبهذا يتبين أن اللحوم التي تُستورد من هنا وهناك لابد من مراعاة توافر شروط فيها ؛ فإن كانت تستورد من بلد إسلامي فإنها يحل أكلها إلا إذا عُلم أنها ذُبحت بطريقة غير شرعية أو أنها أصلاً من جنس ما لا يحل من الحيوانات ، وأما ما استُورد من بلدٍ غير إسلامي فلابد من ضمانة مقبولة ؛ تفيد أن الذابح لهذه الذبيحة ممن يحل أكل ذبيحته ، ولابد من ضمانة أيضاً تفيد أن هذه الذبيحة قد ذُبحت على الطريقة المشروعة في الإسلام ، وبهذا يكون أكلها محللاً ، أما إن خلت من هذا الشرط فلا سبيل إلى تحليلها .
وأما دعوى أن الإجماع منعقد على إباحتها لأن المسلمين يأكلون هذه الذبائح وهم متفقون على ذلك فهي مردودة ، وذلك أن الإجماع الذي هو حجة قاطعة هو اتفاق علماء الأمة على استحصال حادثة بشرع ، وهو ثالث الحجج في الإسلام بعد كتاب الله وبعد سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يفيد أن الأمة لا تجتمع على ضلال ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تجتمع أمتي على ضلال " [تقدم تخريجه]  ، ولكن هذا الاجتماع الذي يعنيه الحديث الشريف هو الإجماع الشرعي الذي لا يشذ عنه أحد ممن يعتد به في الأمة ، ولابد من أن يكون مبنياً في الأصل على حكم في كتاب الله أو في سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سواء كان الحكم من الآية أو الحديث واضحاً أو غامضاً ، فإن الإجماع يجعل الحكم الغامض كالواضح ، ولكن أنّى لأحد أن يدّعي أن الإجماع حاصل على جواز أكل هذه اللحوم مع أن الأحاديث النبوية بل الآيات القرآنية تشترط شروطاً في حليّة أكل الذبيحة ، ومن المعلوم أن اللحوم التي تستورد من بلاد أهل الكفر والتي تُصعق فيها الحيوانات لا تعد مذبوحة على الطريقة الشرعية التي يرضاها الله تعالى ورسوله عليه أفضل الصلاة والسلام.
وأما الاستدلال بما ورد في كتاب الله من إباحة المحرمات للمضطر فهو مردود ، وذلك أن إباحة المحرمات في حال الاضطرار إنما هي لدفع الهلاك عن الإنسان ، وفي المحللات في وطننا هذا سعة والحمد لله ، فبإمكان الإنسان أن يحترز عن المحرمات ولا يفضي به الحال إلى الهلاك .
وأما دعوى أن هذه من طعام أهل الكتاب وأهل الكتاب حلٌ لنا طعامهم فهي مردودة بأن أهل الكتاب الذين يتمسكون بكتابهم قد أصبحوا قلة اليوم في العالم ، فمعظم الناس قد كذبوا بكتبهم وانحرفوا عن أديانهم وضلوا عن طريقتهم التي كانوا عليها من قبل ، وأيضاً فهل كل طعام أهل الكتاب حلٌ لنا ؟ فإن من طعامهم الخنزير فهل يجوز لنا أكله ؟ وهل الكلب إذا كان على موائدهم حلٌ لنا ؟ لا أظن عاقلاً يؤمن بالله واليوم الآخر يقول إن آية { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة : 5] على عمومها في كل شيء بحيث تشمل الخنزير وغيره ، وأما دعوى أن هؤلاء الناس قد عُرفوا بالصدق والأمانة فهي دعوى لا تُصدق إلا ممن في قلبه مرض ، فإن الله تعالى يقول وهو أصدق القائلين : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ } [المائدة : 51 - 52]  ، فما من أحد يصف هؤلاء القوم بالصدق والأمانة إلا وفي قلبه مرض ، كيف والله تعالى قد حذرنا منهم ومن الركون إليهم ، حيث قال عز من قائل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [آل عمران : 100]  ، وقال أيضاً : {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ } [البقرة : 109] ، وكما نهى الله تبارك وتعالى عن موالاة أهل الكتاب نهى عن موالاة جميع الكافرين ، فقد قال سبحانه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2)} [الممتحنة : 1 - 2]  ، فأنت ترى أنه تعالى يبيّن أن أولئك يودون لو كفرنا كما كفروا وتلك صفتهم وهذا ديدنهم ، ومن الذي يقول إنهم متصفون بالصدق والأمانة وشواهد الحال تدل على عكس ذلك ؟! فكم هي الشواهد الدالة على شيوع الكذب في أقوالهم وانتشار الخيانة في معاملاتهم ، ولئن كان من المسلمين من لا يلتزم الصدق في كلامه وهو يظهر أنه يتخذ الإسلام ديناً فكيف بمن يتخذ غير الإسلام ديناً يقال عنه إنه يلتزم الصدق ؟! وكيف يقال فيمن اتخذ مع الله إلهاً آخر أو عبد هواه أو كذب بيوم الدين أو كذب بالقرآن أو كذب بالنبي عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام أنه متصف بالصدق والأمانة ؟! لعمري إن هذا من قلب الموازين وعكس الحقائق وتبديل المقاييس ، وهذه كلها من ثمار الغزو الفكري الذي أثر على أفكار كثير من المسلمين ؛ والعياذ بالله تعالى .
وأما اللحوم المستوردة من الهند فقد أخبرني واحد من الإخوان الذين زاروا الهند ووقفوا على الذبح هنالك أن الذابحين مسلمون وأن الذبح على الطريقة الإسلامية ، ولقد سألت بعض علماء الهند فأجابوا بأنهم يضمنون أن اللحوم التي تصدر من الهند إلى أي بلد إسلامي هي مذبوحة على الطريقة الشرعية بخلاف اللحوم الموجودة في الفنادق أو التي تقدم على الموائد في الطائرات الهندية ، وقد وثقت بقوله واعتمدت عليه ، لذلك لا أرى حرجاً في أكل اللحوم المستوردة من الهند ، كما إنني لا أرى حرجاً في أكل اللحوم المستوردة من أي بلد آخر إذا صح أن الذبح على الطريقة الإسلامية وأن الذابح ممن تؤكل ذبيحته في الإسلام والله تعالى أعلم .