القائمـة البريدية
أدخل عنوان بريدك ليصلك جديدنا

المكتبة السمعية
المكتبة المرئية
مختـارات الفتـاوي
-------( فارغ )-------
حكم نكث المرء عهده مع الله
السؤال : عاهدت الله سبحانه وتعالى على عدم فعل فاحشة من الفواحش ، ولكنني في كل مرة أنسى وأقوم بفعل تلك المعصية وسرعان ما أندم على فعلها فأتوب إلى الله سبحانه وتعالى وأصلي ركعتين صلاة التوبة وأجدد عهدي مع الله تعالى على عدم فعل تلك المعصية بعد فراغي من صلاة التوبة ، ولكن لضعف إيماني ومع مرور الأيام أقوم بفعل تلك المعصية وأجدد التوبة والعهد مع الله تعالى مرة ثانية وثالثة ومرات عديدة لا يعلمها إلا هو ، ماذا يلزمني فعله نتيجة عدم الوفاء بعهدي في كل مرة ؟ وبعد أن منّ الله علي واستطعت البعد عن تلك الفواحش تبت إلى الله توبة نصوحاً فإن كان عليّ كفارة هل هي مرسلة أم مغلظة ؟ وما مقدار هذه الكفارة إذا أردت أن أطعم بإخراج أرز مثلاً ؟
نأسف أن يجرؤ أحد على أن يعاهد الله ثم يخيس في عهده الذي عاهده ربه سبحانه وتعالى ، ولا يبالي بأن يكرر ذلك المرة بعد المرة .
وقد اختلف العلماء في ما إذا قال الإنسان : عاهدت ربي أن أفعل كذا فنكث في عهده هل تكفيه كفارة مرسلة ؟ وهو قول طائفة من أهل العلم وهو الذي ذهب إليه العلامة ابن بركة من علمائنا في القرن الرابع الهجري ، وبه قال  الإمام نور الدين السالمي – رحمه الله – من علمائنا أيضاً في القرن الرابع عشر الهجري ، وهذا القول يتأيد بأن ذلك هو المنصوص عليه في كفارات الأيمان – وللعهد حكم اليمين –، كما جاء ذلك في قول الله تبارك وتعالى : {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ}(1)  ، فالمكفر مخير بين أن يطعم عشرة مساكين أو يكسوهم أو يحرر رقبة ، فإن عجز عن كل ذلك ينتقل إلى وجوب صيام ثلاثة أيام .
ومن العلماء من قال بأن كفارة العهد كفارة مغلظة ، ولربما قاس هؤلاء التغليظ على الظهار ، لأن الظهار افتراء كذب على الله لقوله تعالى : {وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ}(2) ، وحملوا عليه نكث العهد ونحوه لما فيه من مخالفة صريحة لحكم الله سبحانه وتعالى وأعطوه حكمه .
إلا أنهم لم يقولوا بأن هذه الكفارة حكمها كحكم كفارة الظهار بحيث لا يكون الانتقال إلى الأيسر إلا بعد العجز عن الأشد ، وإنما قالوا هو مخير بين عتق رقبة ، وصوم شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا .
واختلف العلماء في قدر ما يعطى للمسكين ، ولكن حديث كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه عندما أمره النبي صلى الله عليه وسلّم أن يفتدي بإطعام ستة مساكين لاضطراره إلى حلق رأسه في إحرامه أو أن ينسك بشاة أو أن يصوم أمره أن يطعم كل مسكين نصف صاع ، فلذلك نأخذ بهذا لعدم الفرق في حاجة المسكين باختلاف الكفارات التي يجب لها فيها الإطعام ،  والله تعالى أعلم .
(1) الآية رقم 89 من سورة المائدة.
(2) الآية رقم 4 من سورة الأحزاب.