القائمـة البريدية
أدخل عنوان بريدك ليصلك جديدنا

المكتبة السمعية
المكتبة المرئية
مختـارات الفتـاوي
-------( فارغ )-------
حكم التهادي بين المسلمين والمشركين
السؤال : ما حكم التهادي بين المسلمين والمشركين ؟ وهل قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هدايا المشركين ؟
نعم ، قبل الرسول - صلى الله عليه وسلم - هدية المشركين ، فقد أخرج الترمذي من طريق الإمام علي - كرم الله وجهه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أهدى إليه كسرى وقبل هديته ، وأنه  - صلى الله عليه وسلم - أهدى إليه قيصر وقبل هديته ، وأنه أهدى إليه مشركون وقبل هداياهم [أخرجه الترمذي في كتاب : السير ، باب : قبول هدايا المشركين (15176) وأحمد 96/1] ، وجاء أيضاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أهدى له حاكم القبط بمصر جاريتين وبغلة وأشياء أخرى فقبلها منه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخذ إحدى الجاريتين لنفسه وهي مارية التي ولدت له إبراهيم ابنه - عليه أفضل الصلاة والسلام - ، وأعطى الأخرى حسانا [أخرجه الطبراني في الأوسط (3549/4) من طريق بريدة] ، وهذا يدل على جواز قبول هدية الكفار ، وكذلك في رواية بلال - رضي الله  تعالى عنه - أنه تحمل ديوناً  فدعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجد على باب بيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - أربعاً من النوق محملات ، فقال له النبي  - صلى الله عليه وسلم - : جاءك الفرج من عند الله ، وقال له بأن هذه النوق بجميع أحمالها أهداها إليه - صلوات الله وسلامه عليه - عظيم فدك ، وقال له هي لك وما عليها من طعام وكساء ، وهذا دليل على جواز قبول هدية الكفار ، ولكننا في المقابل نجد دليلاً آخر يدل على خلاف ذلك ، فعن عياض بن حمار المجاشعي - رضي الله  تعالى عنه - أنه أهدى النبي - صلى الله عليه وسلم  - قبل إسلامه - ناقة ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : هل أسلمت ؟ قال له : لا . قال له - عليه أفضل الصلاة والسلام - : «إني نُهيت عن عطاء المشركين» [أخرجه أبو داود في كتاب: الخراج والإمارة ، باب: في الإمام يقبل هدايا المشركين (3057)، والترمذي في كتاب : السير ، باب : في كراهية هدايا المشركين (1577) وقال: حسن صحيح] ، أو كما قال له - عليه أفضل الصلاة والسلام - ، وهذا الحديث اختلف في الجمع بينه وبين الأحاديث الأخرى ، منهم من قال بالتناسخ ، وقد اختلف العلماء أيهما نسخ الآخر ، قيل : هذا ناسخ لتلك الروايات ، وقيل بل هي ناسخة له ، ومن المعلوم أن النسخ يتوقف على معرفة التوقيت ، بحيث يعرف القائل بالنسخ متى ورد الدليل الناسخ ، ومتى ورد الدليل المنسوخ ، وهذا أمر يتعذر في مثل هذه الحالة ، فلذلك لا يمكننا أن نقول بالنسخ ، على أنه لا ينبغي أن نذهب إلى النسخ مع إمكان الجمع ما بين الدليلين ، والجمع متيسر ، وذلك بأن يقال بأن الامتناع منه - صلى الله عليه وسلم - عن قبول عطايا المشركين إنما كان ذلك لسبب ، وذلك عندما يعرف أنهم يريدون أن يشتروا بعطاياهم ولاءه - صلى الله عليه وسلم - لهم ، فلذلك امتنع في مثل هذه الحالة من قبولها ، على أنه جاء في رواية عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله  تعالى عنها  - أن أمها وفدت عليها بهدايا وامتنعت من قبول هدايا أمها ، ولكن سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قبولها لهدايا أمها وعن صلتها لأمها ؛ أي أن تهدي هي لأمها وتصلها ، وكانت أمها على الشرك ، فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تقبل هداياها وأن تصلها [أخرجه البخاري في كتاب : الهبة ، باب : الهدية للمشركين (2620)]  ، ونزل في ذلك - كما جاء في رواية للبخاري - قول الله تبارك وتعالى : {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة : 8] ، وهذا يعني أنه عندما يكون التهادي بين مسلم وغير مسلم لا لأجل التأثير على نفسية المسلم ، ولا مع المعاداة البالغة من غير المسلم للمسلم بحيث يتقوى بتلك الهدية على حربه للمسلمين، فلا مانع من أن يكون هنالك تواصل ، وأن يكون هناك إقساط من قبل المسلمين في حق غير المسلمين ، ومن المعلوم أن الهدايا التي تكون بمناسبات غير مشروعة في الإسلام - كعيد الميلاد مثلاً - لها أثر في اجتذاب نفوس المسلمين عندما يتقبلون هدايا النصارى في هذه الحالة ، أو عندما يهدونهم هم ، فذلك اعتراف ضمني بهذه المناسبة التي يهدون من أجلها أو يتقبلون الهدية من أجلها ، فلذلك نرى في مثل هذه الحالة أنه لا يجوز إهداؤهم ولا يجوز قبول الهدية منهم ، أما في غير هذه الحالة فلا مانع من قبول هديتهم ، ولا مانع من إعطائهم الهدية ، والنص الصريح في قول الله تبارك وتعالى : {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ} [الممتحنة : 8]  دليل على جواز الإهداء إليهم في غير حالة حرب ، بحيث يتقوون بهذه الهدية على حرب المسلمين ، بل وإن كانت فيهم عداوة ويضمرون الكراهية للمسلمين ، ويرجى بهذه الهدية أن يلان جانبهم ، أو أن يقل عداؤهم للإسلام والمسلمين ، فلا مانع في أن يهدى إليهم في مثل هذه الحالة ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - دفع إلى المشركين - أيضاً - هدايا، فقد أهدى - عليه أفضل الصلاة والسلام - رسولي كسرى إليه منطقة [المنطقة : هي كل ما شد به الوسط]  من ذهب ، وعمر بن الخطاب - رضي الله  تعالى عنه - كسا أخاه - الذي كان على الشرك - ثوباً من حرير أعطاه إياه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [أخرجه البخاري في كتاب : الأدب ، باب : صلة الأخ المشرك (5981)] ، وهذا مما يدل على جواز إهداء المسلم لغير المسلم والله تعالى أعلم .