القائمـة البريدية
أدخل عنوان بريدك ليصلك جديدنا

المكتبة السمعية
المكتبة المرئية
مختـارات الفتـاوي
-------( فارغ )-------
وجوب الزكاة في النقود
السؤال : ما أدلة وجوب الزكاة في النقود ، وما الحكمة من إيجابها ، وما القول إذا ثبت حقاً أن هذه الأوراق النقدية المتداولة اليوم ليس لها قيمة حقيقية ذهباً أو فضة في البنوك . فهل فيها زكاة أم لا ؟
النقود التي كانت متداولة في العصور السابقة هي الذهب والفضة ، فمن الذهب صيغت الدنانير ومن الفضة صيغت الدراهم ، وقد جاء الإسلام الحنيف بما يدل على وجوب الزكاة في هذين النقدين ، فالذهب تجب الزكاة فيه إذا بلغ عشرين مثقالاً والفضة تجب فيها الزكاة إذا بلغت مائتي درهم ، كما ثبت ذلك في الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(1)
وإذا جئنا إلى الحكمة فإننا نستطيع أن نستشف ذلك من خلال اطلاعنا على ما نصت السنة على وجوب الزكاة فيه ، ذلك لأن القرآن الكريم أوجب الزكاة إجمالاً في المال قال الله تعالى : {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (2) وقال : {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)}(3) وقال : {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}(4) فأوجب القرآن الكريم الزكاة في المال من غير أن يفصل أنواع المال التي تجب فيها الزكاة ، وجاءت السنة النبوية - على صاحبها أفضل الصلاة والسلام - ناصة على صنوف من الأموال تجب فيها الزكاة ، من بين هذه الأموال الماشية ، التي هي من ضمن ما تتطلع إليه النفوس ، لأنها من ضرورات الناس في معايشهم ، وكذلك الحبوب التي يتخذها الناس مادة لغذائهم ، وكذلك جاءت الزكاة في نص حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الذهب والفضة ، مع ما جاء من دلائل القرآن العامة والمجملة التي تدل على ذلك .
ومن المعلوم أن هذه الأشياء التي وجبت فيها الزكاة بنص حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحبوب والماشية وغيرها ، إنما هي أشياء تتوقف عليها ضرورات الحياة ، فكل من الماشية التي هي النعم ، والحبوب التي هي مادة غذائية من الأمور التي تتوقف عليها معايش الناس ، فلذلك جعل الله سبحانه تعالى الزكاة فيها أمراً واجباً ، لأن النفوس تتطلع إليها ، ولئن كان هذا هو السبب في وجوب الزكاة في أمثال هذه الأشياء ، فلا ريب أن الذهب والفضة بما أنهما وسيلة لتبادل المنافع بين الناس وقضاء الحاجات جعل الله تبارك وتعالى فيهما  الزكاة وهي فريضة واجبة لا يجوز التردد فيها ، وجاء القرآن الكريم ناصاً على أن الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله متوعدون بعذاب أليم. يقول سبحانه : {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35) }(5) .
وعندما حصل تبادل المنافع بهذه الأوراق النقدية التي اتخذت الآن وسيلة لقضاء الحاجات وأداء الحقوق ورد المظالم وغير ذلك من أنواع المعاملات بين الناس ، حلت هذه الأوراق محل الذهب والفضة ، فلا ريب أن الزكاة واجبة فيها،  لأن الأمة تتطلع فقراؤها إلى هذه الأوراق النقدية ، كما كانت تتطلع سابقاً إلى الذهب والفضة وإلى المواد الغذائية وإلى الماشية التي هي من قوام الناس في معايشهم ، فلذلك كانت الزكاة فيها أمراً لا مناص عنه ، فهي واجبة ولا تجوز المماحكة في ذلك ، ولو لم تكن مؤمنة بذهب أو بفضة . والله تعالى أعلم .
(1) الحديث عن الذهب تقدم تخريجه ص 244، أما الفضة: « ليس فيما دون خمس أواق صدقة، والأوقية أربعون درهماً » رواه الإمام الربيع والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم، وفي رواية « هاتوا صدقة الرقة من كل أربعين درهما درهماً، وليس في تسعين ومائة شيء، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم » رواه مالك والبخاري والنسائي وأحمد والترمذي وأبو داود وغيرهم.
(2) الآية رقم 103 من سورة التوبة.
(3) الآية رقم 25 من سورة المعارج.
(4) الآية رقم 19 من سورة الذاريات.
(5) الآية رقم - 34 - 35 - من سورة التوبة.