القائمـة البريدية
أدخل عنوان بريدك ليصلك جديدنا

المكتبة السمعية
المكتبة المرئية
رسالة الشباب في الإسلام
بتاريخ 18 يوليو 2012
سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

الحمد لله الخلاق العليم، الرزاق الكريم، الحليم الشكور }الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ{ (الملك/2)، أحمده سبحانه بما هو له أهل من الحمد وأثني عليه، وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه، وأؤمن به وأتوكل عليه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفوته من رسله، وخيرته من خلقه، بعثه بأبين  السبل، وأوضح الأدلة، وأعدل الطرق، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، وسار على نهجه، ودعا بدعوته إلى يوم الدين، أما بعد:

فيا عباد الله، إن الله I خلق الإنسان بقدرته، وأنعم عليه بالحياة بلطفه وحكمته، وجعلها الإطار العام الذي ترجع إليها جميع نعم الله I، فلولا الحياة ما فكر الإنسان ولا قَدَرَ، ولا سمع ولا أبصر، ولا نما ولا تحرك، ولا وعى ولا أدرك، ولا أعطى ولا منع، وإنما جعل الله I سر الحياة في هذا الإنسان موئل جميع هذه النعم، وقد امتن الله سبحانه بالخلْق والحياة على عباده  في معرض دعوته إلى توحيده وعبادته وعدم إشراك غيره معه؛ حيث يقول عز من قائل: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ{ (البقرة/21 ـ 22) وفي قوله I}كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{ (البقرة/ 28 ـ 29).

وإذا كانت هذه الحياة نعمة كبرى أسبغها الله سبحانه وتعالى على الإنسان؛ فعلى هذا العبد أن يقدر لهذه النعمة قدرها، وأن يؤدي واجب شكرها، وشكرها إنما يكون باستغلالها في طاعة من أنعم بها، وذلك إنما يكون بتطهير العقيدة بالتعلق بالله I وحده، وابتغاء مرضاته، والخوف من سخطه، والحرص على رضوانه، ويكون ذلك أيضا بأداء العبادة التي شرعها الله I، وبتنفيذ الأوامر التي أمر الله تعالى بها، وبالازدجار عن النواهي التي حذر الله سبحانه منها.

وإذا كانت الحياة كلها نعمة من الله I فإن صفوة هذه النعمة وجوهرها وبهجتها وتاجها مرحلة الشباب؛ فإن الشباب هو ريعان هذا العمر، وهو بهجته ونضرته، وهو قوته وعزته، ولذلك كان الشباب مسئولا عنه بصفة خاصة مع السؤال عن الحياة جميعا عند الله سبحانه؛ كما بين ذلك حديث رسول الله r إذ قال: «لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيمَ أفناه، وعن شبابه فيمَ أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه  وفيمَ أنفقه، وماذا عمل فيما علم» وإذا كان الشباب بهذا القدر من النعمة فإن على الشباب أن يشكروا هذه النعمة العظيمة باستغلال هذه المرحلة من العمر في أنواع الطاعات التي تقرب إلى اللهI  زلفى، فالشباب فرصة لأداء الواجبات المتنوعة، والمسارعة إلى الطاعات المختلفة، واجتناب المنهيات جميعا، وليس فرصة للمسارعة إلى الشهوات، والمبادرة إلى الملذات، وعدم الإصغاء إلى الأوامر والنواهي من قبل الله تعالى ومن قبل رسوله r.

فيجب أن يربى الشباب تربية نابعة من الإيمان قائمة على الفضائل، متحلية بالأخلاق والقيم، كما ربى رسول اللهr شباب أصحابه رضي الله تعالى عنهم أجمعين؛ فإنه عليه أفضل الصلاة والسلام رباهم على القرآن الكريم وخلقه، ورباهم رسول الله r على خوف الله ورجائه، فكانوا مطلع الفضائل وطليعة هذه الأمة المسارعة إلى رضوان الله سبحانه وتعالى، لقد افتتحوا الأمصار، ودوخوا الممالك، وبهروا العالم أجمع بثباتهم ورسوخ أقدامهم في الخير، وبأخلاقهم الفاضلة، وبقيمهم العالية، وبكل ما كانوا يتصفون به من خير، لقد كانوا مسارعين إلى رضوان الله I، متباعدين عن منهيات الله، لا يقتربون من الخنا، ولا يأتون شيئا من الفجور، ما كانوا يسارعون وراء الغواني مغازلين لها، ولا كانوا يحاولون أن يتشبهوا بها في الزينة أو في التغنج أو في التكسر أو في أنواع الدلال، بل كانوا بخلاف ذلك كله، }كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ{ (الذاريات/ 17 ـ 18) فإذا ثقلت المضاجع بالناس قاموا بين يدي الله I صافين أقدامهم، وانفجرت المدامع من أعينهم، وارتجفت قلوبهم بين جوانحهم من خوف اللهI  والشوق إلى لقائه، وبهذا بهروا العالم حتى تحدث عنهم خصومهم أحسن الحديث، وأخذوا يتداولون صفاتِهم التي لم يعرفوا لها مثيلا، وحسبكم ثناء الله سبحانه وتعالى عليهم؛ فإن الله عز وجل أثنى عليهم ثناء لا يبليه الدهر؛ حيث أنزل في كتابه سبحانه وتعالى قوله: } مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا { ( الفتح/29)، ما أعظم هذا الثناء الذي يثنيه الله سبحانه وتعالى على عباده الذين رباهم رسول الله على هذا القرآن الكريم، ورباهم على سنته التي بها تبيان ما انبهم من القرآن، وتفصيل ما أجمل. لقد كانوا صورة صادقة لتعاليم القرآن وهديه وخلقه وفضائله، فيجب أن يربى الشباب على مثل تلك الفضائل: على القرآن الكريم، وعلى سنة رسول الله r، وعلى التضحية في سبيل الله، وعلى المسارعة إلى طاعة الله، وعلى الخوف من الله I، وعلى عدم الاستهانة بشيء من أوامر الله تعالى أو نواهيه، يجب أن يربى الشباب على الشوق إلى لقاء الله في } َجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [ ( آل عمران/ 133 ـ 135)  فإن الشباب مناط عزة الأمة، ومعقد رجائها، ولذلك يجب على الأمة أن لا تفرط في هذه الثروة العظيمة، يجب أن تحافظ عليها بتوجيه الشباب إلى الخير، وسوقهم إلى أنواع الطاعات، وبإبعادهم عن جميع أنواع المنكرات.

فاتقوا الله يا عباد الله، وربوا أولادكم على الفضائل كلها، وكونوا لهم قدوة في الخير، مروهم بالمعروف وائتمروا به، وانهوهم عن المنكر وانتهوا عنه، وجسدوا لهم قيم الإسلام وفضائله بسلوككم وجميع تصرفاتكم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروا الله يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم، إنه هو البر الكريم.

*         *          *

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأشكره، وأتوب إليه من جميع الذنوب وأستغفره، وأؤمن به ولا أكفره، وأعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى أتباعه وحزبه إلى يوم الدين، أما بعد:

فيا عباد الله، بما أن الشباب هم ذخر الأمة وذخيرتها وقوتها ومنعتها؛ فإنه يجب عليها أن تربيهم تربية بعيدة عن كل أسباب الميوعة والانحلال، فيجب أن يربى الشباب على الرجولة الصادقة، وعلى الشهامة الثابتة، وعلى جميع الأخلاق التي يجب أن تكون عليها الأمة المسلمة، وأن يحافظ عليها المجتمع المسلم، لا أن يربى الشباب على الترهات وأنواع الترف التي تؤدي إلى الميوعة والانحلال، فالأمة ليست بحاجة إلى الشباب المدلل الذي يتربى على مظاهر الأنوثة، ويقلد النساء في زينتهن، فتتدلى سلاسل الذهب على صدورهم ونحورهم، ويتختمون بخواتم الذهب، الذي حرمه الله على رجال هذه الأمة على لسان رسولها r، ويجب أن يبعدوا عن جميع مظاهر النساء من إرخاء الذوائب على الأكتاف وغير ذلك من مظاهر النساء التي أخذ الشباب يقلدهن فيها، فاتقوا الله يا عباد الله، وحافظوا على هذه الثروة، وحافظوا على هذه العطية، واتقوا الله في سريرتكم وعلانيتكم، وأخلصوا لله تعالى أعمالكم، وجنبوا أولادكم تشبه الذكور منهم بالإناث، وتشبه الإناث منهم بالذكور؛ فإن النبي r يقول: «لعن الله المتشبهبين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال».