القائمـة البريدية
أدخل عنوان بريدك ليصلك جديدنا

المكتبة السمعية
المكتبة المرئية
منغصات في طريق الوحدة الإسلامية
بتاريخ 12 مارس 2013
سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي

 

 منغصات في طريق الوحدة الإسلامية

لا ريب أن كل من رضي بالله -تعالى- ربًّا، وبالإسلام دينا، وبالقرآن هاديًا ودليلا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم قائدًا ورسولا، ينزع منزع الوَحدة ما بين الأمة؛ لأن الوَحدة يصبح بالنسبة إليه هو الهم الذي يؤرقه، والشاغل الذي يلم بباله، والهدف الذي يسعى إليه في حياته.

فالناس دائمًا بالنظر إلى هذه العقيدة عندما ينطلقون منها، وتكون نفوسهم مخلصة لله -تبارك وتعالى- ونواياهم طيبة، إنما يسعون إلى لَمِّ الشعث، ورأب الصدع، وتوحيد الكلمة، وتأليف النافر، وتقريب البعيد.

وقبل أن أخـوض في هذا أريد أن أقول: بأن كل ما في دين الإسلام، إنما يؤدي إلى الوحدة من عبادات ومن أخلاق ومن مُثُـل، هذه الصلاة جعلها الله -تبارك وتعالى- سببًا للوَحدة عندما تُؤَدَّى على الوجه المشروع، ويكفي ما نشاهده من مظهرها، بحيث إن القوي والضعيف يقفان معًا، والحاكم والمحكوم أيضًا يصفان جميعًا، والغني والفقير لا فرق بينهما، والعربي والأعجمي أيضًا لا يفترقان في شيء.

فإذن هذه الصلاة تقضي على جميع الحواجز التي تفصل بين الإنسان والإنسان، فهي تحطم الحواجز، وتجتث النعرات، وتنتزع السخائم والأحقاد عندما يجتمع المسلمان رَاكِعَيْنِ سَاجِدَيْن، وَاقِفَيْنِ بين يدي الله -تعالى-.

كذلك بالنسبة إلى الصيام، كذلك بالنسبة إلى الزكاة، كذلك بالنسبة إلى الحج، كل من ذلك يؤدي إلى هذه الغاية التي ينشرها الإسلام في أبنائه.

ومن فضل الله -تبارك وتعالى- على عباده، أنه لم يتركهم لأهوائهم ونزعاتهم ونزغاتهم، بل أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة.

وقد أتم الله -سبحانه وتعالى- عليهم نعمته، وأكمل لهم الدين، بأن بعث فيهم عبده ورسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم ، الذي جاء إلى هذا الوجودِ والناسُ متفرقةٌ مسالكُهم، متنوعةٌ نزعاتُهم ونزغاتُهم، متباينةٌ أهواؤهم ورغباتهم، كلٌّ يدعي أنه على الصواب، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الله هذا الشتات، وألّف الله -تعالى- به بين هذه القلوب المتنافرة، وجمع به بين هذه الفئات المتدابرة، فإذا بالشقاق وفاق، وإذا بالنزاع وئام، وإذا بالاختلاف ائتلاف، جمع الله -تبارك وتعالى- به بين الذين ورثوا العداوات، وورثوها أولادهم، فظلوا يتطاحنون في حروب دامية أكلت الأخضر واليابس، وأتت على الطارف والتليد، وأهلكت الحرث والنسل، فإذا بهؤلاء يتفقون جميعًا في ظل العبودية لله -تعالى-.

والله –سبحانه- يذّكر هؤلاء العباد النعمة العظيمة، التي أسبغها عليهم، بأن أخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن الشقاق إلى الوفاق، ومن الاختلاف إلى الائتلاف، ومن التدابر إلى الاجتماع والتعاون فيما بينهم، يقول -سبحانه-: } وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا،ـ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءَايَـٰتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ { (آل عمران : 103).

وقد قبض الله -تعالى- عبده ورسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم بعدما كانت هذه النعمة نعمة سابغة على هذه الأمة، شاملة لجميع أفرادها، إذ تآلفت قلوبهم برباط الإيمان، الذي يوحد ولا يشتت، ويجمع ولا يفرق، ثم بعد ذلك ولي الأمر خلفاؤه الراشدون -رضي الله -تعالى- عنهم-، وهم الذين ساروا على نهجه واتبعوا هديه إلى أن لقوا الله -تبارك وتعالى-.

ثم تحول الأمر إلى سياسة غاشمة، كانت تتبنى توجهاتها حسب أهواء الأفراد الذين تربعوا على سدة الحكم، فكان الأمر بخلاف ذلك، إذ أخذت العرى تُنْقَضُ عروة عروة، ووقع الخلاف، وكل من كان في ركب تلك السياسة كان مرضيًّا عنه، وكان معدودًا من الصالحين، وكان معدودًا من الموافقين، ومن كان بخلاف ذلك كان أمره خلافه.

ونجد البون الشاسع، والفرقة البعيدة، والشقة المتنائية، ما بين الوضع في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، والوضع في تلكم السياسة التي قامت من بعد، ففي عهد الخلفاء الراشدين -رضي الله -تعالى- عنهم- يقول أحد الخلفاء على مسمع ومرأى من الناس: "أيها الناس إذا رأيتم فيّ اعوجاجاً فقوموني"، فيقوم له أحد من عامة الناس ويقول له: "والله لو رأينا فيك اعوجاجًا لقومناه بسيوفنا"، فما يكون منه إلا أن يحمد الله على أن جعل في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من يقّوم اعوجاجه بسيفه.

بينما الأمر بعد ذلك وصل إلى أن يقول أحد الذين تربعوا على دست ما يسمى بالخلافة، يقول: "أيها الناس لست بالإمام الضعيف، ولا بالإمام المداهن، ولكن لن يقول لي أحدكم: اتق الله حتى يكون السيف أسرع إلى عنقه من قوله إلى سمعه"،  ومع ذلك قيل بأن هذا الذي ولي الأمر بالقوة والجبروت، هو على حكم الله -سبحانه وتعالى-، وأنه أصبح حاكمًا بأمر الله، وأصبحت طاعته واجبة على الرعية، هكذا انقلبت الموازين رأسًا على عقب.

فبسبب هذا حصل الاختلاف وحصل التفرق، فمن الناس من سلك في معارضة ما كان قائمًا مسلكًا معتدلا، لم يخرج به إلى الشطط والانحراف، بل ظل مع هذا كله يحافظ دائمًا على مُثُل الإسلام، وأخلاق الإسلام، وقيم الإسلام، وتعاليم الإسلام.

ومن الناس من أثّرت فيه الأحداث القائمة ردة فعل، أدت به إلى الشطط والبعد عن المنهج السوي، والغلو والإفراط، فهذا هو الذي أدى بالناس إلى التفرق والاختلاف بطبيعة الحال.

فمهما يكن من أمر، فإن تلك الأحداث التي جاءت بعد عهد الرسالة، وعهد الخلافة الراشدة، هي التي أدت إلى ما أدت إليه، وهي التي أوجدت هذا الاختلاف بين الأمة.

ولكن تلك أحداثٌ انْقَضَتْ عصورها، تلك أحداث لا ينبغي أن تلاك بالألسن، وإن كان كثير من الناس الآن، يحرص على السير في ذلكم الاتجاه، الذي قلب الموازين رأسًا على عقب، بحيث جعل الْمُحِقَّ مُبْطِلا والْمُبْطِلَ مُحِقًّا، كثير من الألسن تلوك ذلك.

ولكن نحن نرى أن طي تلك الصفحة، وإصلاح الأمة، وبناءها على أسس من الفكر السليم، ومن السلوك المستقيم على هدي القرآن الكريم، والثابت الصحيح من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، هو الذي سيؤدي بالأمة إلى الوفاق والتآلف من جديد -بمشيئة الله-، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، فالأمة بحاجة إلى صياغة، تكون امتدادًا لتلك الصياغة التي كانت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم في عهد خلفائه الراشدين، والله -تعالى- الموفق.