القائمـة البريدية
أدخل عنوان بريدك ليصلك جديدنا

المكتبة السمعية
المكتبة المرئية
دور السياسة في الجهل بالإباضية
بتاريخ 12 مارس 2013
سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي

 

دور السياسة في الجهل بالإباضية

 

هنالك عدة عوامل أدت إلى الجهل بالإباضية في أوساط الكثيرين، ومن ضمن هذه العوامل: الظروف السياسة؛ لأن لها تأثيرا في إظهار الشيء بمظهره الصحيح أو إظهاره بعكس ذلك، وهذا الشيء ملاحظ إلى وقتنا هذا، فنرى مع تقلبات الأوضاع السياسة أن الأمور تختلف وتنقلب رأسا على عقب، وبطبيعة الحال فإن الحكام الذين توصلوا إلى الحكم بطريق غير شرعية -بحسب المقاييس الموجودة عند الإباضية- تسوؤهم فكرة هذا المذهب، لاسيما وقد كان الحكام على مقدرة بأن يؤثرا في كثير من الرعايا حتى العلماء -إلا من رحم ربك- من ناحية الفقه السياسي، حتى صار متداولا أن الحاكم تجب طاعته بَرَّ أو فجر، عدل أو جار، بغض النظر عن تصرفاته وأعماله، فما دام يقول "لا إله إلا الله" فعلينا أن نخضع له وأن نطيعه وأن ننقاد لأمره مهما كان، والإباضية لا يرون ذلك؛ لأن الآية في بدايتها }يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ{ وهو خطاب موجه للمؤمنين أي المؤمنين حقا} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ{ (النساء: 59)، أي يا معشر الذين آمنوا فمن نكث عهد الله وخرج عن الطريق الصحيح الذي أمر الله -سبحانه وتعالى- بأن يسير الحاكم عليه، فقد خرج عن دائرة الذين آمنوا الإيمان الصحيح، وإن كان لم يخرج من الملة، بل عن هذا الإطار الصحيح فقط، ونحن أمرنا بطاعة أولئك الذين يطيعون الله ويتقونه ويرعونه في أنفسهم باستقامتهم، وفي رعاياهم بإقامة موازين القسط فيما بينهم، فبسبب ذلك الفكر أُشِيعَ عن الإباضية بأنهم طائفة إرهابية، وأنهم جماعة خارجة عن المسلمين ومتمردة عليهم، أي بسبب حرص أولئك الحكام على توطيد سلطانهم هذه ناحية، ومن ناحية أخرى حصلت تعصبات مذهبية، أدت إلى محاولة ضرب الحصار على كل من خرج عن مذهب معين، بحيث يعتبر هذا الخارج منبوذا وبعيدا عن الملة وعن الحق، ونحن نأسف أن نجد في علماء المسلمين من يأتي بمثل هذه الأمور التي تقشعر لها الأبدان، فعلى سبيل المثال وجدنا في كتاب (حاشية الصاوي على الجلالين): "أن الناس يجب عليهم جميعا أن يقلدوا الأئمة الأربعة ومن لم يقلدهم فهو ضال مضل ويخشى عليه الوقوع في الكفر، ولو أنه وافق ظاهر القرآن والأحاديث الصحيحة ومذهب الصحابة".

وهذا الكلام كان معهودًا وليس جديدًا، وهذا مثلا اللقاني صاحب الجوهرة يقول:

 

فواجب تقليد حبر منهم   ***   كما روى القوم بلفظ يفهم

 

أي لا بد من تقليد واحد من الأئمة الأربعة وإلا خرج عن هذه الجماعة، فكيف يُنظر بعد ذلك إلى الإباضية؟! طبعا لن ينظر إليهم نظرة إيجابية.

وهذا -إذن- من العوامل التي أدت إلى الجهل بهذا المذهب، وكذلك المذاهب الأخرى غير المذاهب الأربعة، هذا، وما تأصل من العصبية المذهبية لمذهب الأشياخ كان سببا للتنكر للإباضية، على أننا لا ننكر أن كثيرا من الناس قالوا فيهم كلمة الحق وأنصفوهم وعاملوهم بالحسنى، فعلى سبيل المثال في عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي عومل الإباضية أحسن معاملة في مصر، وعوملوا معاملة متميزة حتى أنهم كانوا أحرارا في أوقافهم وترك قضائهم إليهم، وكانت لهم حلقات علمية في جامع ابن طولون في عهد ذلك السلطان المجاهد، فكان عهده عهدا متميزا وقد حفظ الإباضية لصلاح الدين الأيوبي ذلك.

وهذا بما أن الإباضية في كل وقت من الأوقات كانوا يحرصون على أن يكونوا مع الجماعة المسلمة، وأن يكونوا في المقدمة عندما يواجه المسلمون الآخرين، فعندما غُزِيَتْ الجزائر في أيام الدولة العثمانية، جاء الإباضية وقاوموا الغزاة الأسبان، وخلصوا العاصمة الجزائرية منهم، ولهذا كان للإباضية عند العثمانيين ميزة منذ ذلك الوقت، فكانوا هم الذين يشرفون على التذكية في الدولة العثمانية لأجل الثقة في دينهم حتى تكون التذكية شرعية ليس فيها خلل.