القائمـة البريدية
أدخل عنوان بريدك ليصلك جديدنا

المكتبة السمعية
المكتبة المرئية
المكتبة » الجمع بين الصلاتين
مختـارات المكتبة
الدين الحياة
الشيخ \ أحمد بن حمد الخليلي
 
الوطء المحرم وأثره في نشر حرمة النكاح
الشيخ \ أحمد بن حمد الخليلي
 
زكاة الأنعام
الشيخ \ أحمد بن حمد الخليلي
الأكثر قراءة
90585 مشاهدةالإيلاء
الشيخ \ أحمد بن حمد الخليلي
 
 
52776 مشاهدةالدين الحياة
الشيخ \ أحمد بن حمد الخليلي
الجمع بين الصلاتين الشيخ \ أحمد بن حمد الخليلي
القسم : العبادات عدد المشاهدات : 33908 مشاهدة

الجمع بين الصلاتين

الجمع بين الصلاتين

 

                                                                     بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على ما لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وجميع أتباعه وحزبه.

 

س- قد شاع عندنا جمع الصلاتين من غير عذر حتى بلغ الأمر ببعض الناس أنهم لا يتصورون صلاة المسافر إلا بالجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء وبلغ التمادي بهم في ذلك أنهم قد يصلون عندنا الظهر فيجمعون معها العصر ثم يظلون في المسجد إلى أن تقام صلاة العصر، منهم من يكون متحلِّقاً مع الآخرين وهم عاكفون على حديث الدنيا فترتفع قهقهاتهم والجماعة تصلي العصر، ومنهم من يكون غاطاً في نومه في المسجد والناس يصلون، وأمثلهم طريقة من يكون مشغولاً عندما تقام الصلاة الثانية بمطالعة دروسه وقلة منهم هم الذين يفردون الصلوات فيصلون كل صلاة في وقتها وقد رأيتم بأنفسكم كيف يحرصون على جمع الصلوات في المساجد عندما يجتمعون للمحاضرات وتستمر المحاضرة إلى أن يؤذن للثانية فإذا هم يخرجون أفواجاً من المسجد بعد الأذان وقد يكون من بين هؤلاء من هم منظور إليهم بين الناس وتقتدي بهم العامة لذلك أردنا منكم جواباً مفصلاً في هذه المسألة والله يوفقكم للخير.

 

الجواب: الحمد لله كما هو له أهل، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:

فإن مما يؤسف أن تتفشى عادة الجمع بين الصلاتين في الناس حتى يظن عوامهم أنه لا تصح الصلاة في السفر إلا جمعاً بين الظهرين وبين العشائين مع أنه لا قائل بوجوب الجمع في السفر ولا بتأكيده اللهم إلا في عرفات للحاج عندما يقف بها

في اليوم التاسع من ذي الحجة فإنه يسن له بتأكيد أن يجمع بين الظهر والعصر بعد الزوال اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ليتفرغ بعدهما للذكر والدعاء إلى المغرب وكذلك يسن له بتأكيد أن يجمع بين المغرب والعشاء من غير أن يصلي بينهما شيئاً في جمع، ليلة النحر في وقت الثانية منهما، أما في بقية الأحوال فلا يتأكد وإنما يسن بدون تأكيد للجاد في السير، ومن كان مقيماً ولو يوماً واحداً فالإفراد أفضل له، لأن ذلك كان دأب النبي  إلا في غزوة تبوك فقد كان فيها يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء كما رواه الربيع رحمه الله من حديث معاذ رضي الله عنه ونحوه عند مالك وأبي داود والترمذي والنسائي ولعل ذلك كان من أجل الرباط، فلا ينبغي لمن أخلد إلى الراحة أن يجعل من صنيعه عليه الصلاة والسلام تكأة يستند إليها في تبرير جمعه الصلاتين من غير داع.

هذا وما نرى عليه الناس اليوم من التهافت إلى الجمع لأجل حكم السفر وإن أقاموا حيث يجمعون أشهراً لا أجد ما يبرره، وجمع الصلاتين في المساجد أوقات الصلوات أمر يترتب عليه الكثير من مخالفات للأحكام الشرعية:

منها أنهم قد يلبثون في المسجد مثلاً بعد صلاة المغرب لأجل محاضرة تمتد إلى أذان العشاء وبعد الأذان يتهافتون للخروج منه، وهم بهذا مخالفون لهدى النبي صلى الله عليه وسلم فقد نهى عن الخروج من المسجد بعد أن يؤذن للصلاة حتى تقام فقد أخرج مسلم في صحيحه والنسائي في سننه عن أبي الشعثاء -رحمه الله- قال: "كنا قعودا في المسجد مع أبي هريرة فأذن المؤذن فقام رجل يمشي فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم " وهو عند أبي داود في سننه بلفظ: "كنا مع أبي هريرة في المسجد فخرج رجل حين أذن المؤذن للعصر فقال أبو هريرة أما هذا فقد عصى أبا القاسم " ورواه الترمذي في سننه بلفظ: "رأي أي أبو هريرة رجلا يخرج من المسجد بعدما أذن فيه للعصر فقال: إلخ".

ولئن كان هذا بمجرد الخروج بعد البقاء في المسجد لعبادة من تلاوة أو ذكر أو استفادة علم أو سماع موعظة فما بالك بمن يقضي وقته في المسجد لاهيا أو مشغولا بحديث الدنيا -وقد جمع الصلاتين- حتى إذا أذن للصلاة للثانية انهمك في حديثه أو لهوه، مَعَ ما عساه يصدر منه قهقهات تشغل المصلين، فأين هذا من رعاية حق المساجد والحفاظ على حرماتها فإنها بيوت الله في أرضه لا يسوغ فيها إلا ما أذن به وقد بينه بقوله:( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ.رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)

’ وقد شدد عليه أفضل الصلاة والسلام حتى في إنشاد الضالة فيها ففي مسند الإمام الربيع بن حبيب  -رحمه الله-: أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "طهرت المساجد من ثلاثة، من أن ينشد فيها بالضوال أو يتخذ فيها طريق أو يكون فيها سوق" ونحوه ما رواه أحمد وأصحاب السنن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "نهى رسول الله   عن الشراء والبيع في المسجد وأن ينشد فيها الأشعار وأن تنشد فيها الضالة وعن الحلق يوم الجمعة قبل الصلاة". ولم يذكر النسائي إنشاد الضالة.

هذا ولا يفيد ذكر يوم الجمعة وقبل الصلاة جواز ذلك بعد الصلاة أو في غير يوم الجمعة فإن المنطوق في مثل هذا إنما هو من أجل تعليم الجاهل ولربما كان هذا يحصل يوم الجمعة قبل الصلاة فنهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم  ومثل هذا لا يعتد بمفهومه المخالف على أن حلق الذكر والعلم غير داخلة في النهي.

ومن تلكم المخالفات التي تنشأ عن الجمع بين الصلاتين ما يكون في المساجد المزدحمة بالمصلين، من المرور بين أيدي المصلين من قبل الذين يأتون من أطراف المسجد للصلاة مع الإمام الذي يصلي بهم الثانية، فإن المسافرين الذين يجمعون الصلاتين لا يجتمعون في ناحية واحدة في المسجد، وإنما يتفرقون في أطرافه،

فإذا أقيمت الثانية هبوا من كل جانب وأخذوا يشقون الصفوف شقاً لينضموا مع الذين يصلون الثانية، ويمرون بين أيدي المصلين الذين قاموا للراتبة، وأنتم تدرون ما في هذا من النهي فقد أخرج الربيع -رحمه الله- في مسنده عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس -رضي الله عنهم- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو يعلم المار بين يدى المصلي ماذا عليه لوقف إلى الحشر" وفي رواية عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لو يعلم المار بين يدى المصلي ماذا عليه لوقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه" قال جابر: قال بعض الناس : يعني أربعين خريفاً، وقال آخرون: أربعين شهراً، وقال آخرون: أربعين يوماً، ورواه الجماعة بمعناه من حديث أبي جهيم عبدالله بن الحارث ابن الصمة الأنصاري وقد عد النبي   المار بين يدي المصلى شيطاناً وأمر بدفعه حتى بالقتال فقد روى الربيع بإسناده إلى أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن أحدكم إذا كان في الصلاة فلا يدع أحداً يمر بين يديه، وليدرأ ما استطاع، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان" رواه الجماعة إلا الترمذي وابن ماجه من طريقه بلفظ: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس وأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان" فليت شعري كيف يرضى عاقل لنفسه وقد جاء إلى بيوت الله لأداء فرائضه أن يتحول إلى شيطان يأمر الشارع بقتاله؟!

ومنها أن الذين يجمعون الصلاتين في المساجد المزدحمة قلما يتسنى لهم تنظيم صفوفهم، لما يتخللها من صلاة الذين يصلون الراتبة وكثيراً ما تعتريها الفرج بسبب ذلك، فقد توجد في الصف الواحد جماعة تصلي في الجنوب، وأخرى في الشمال وبينهما الذين يصلون الراتبة، ولا يلبث هؤلاء أن ينتهوا من صلاتهم وينسحبوا ويبقى ذلك الصف منقسماً إلى قسمين، بينهما فرجة قد تتسع لعشرات من المصلين، ولئن كان النبي   شدد في الفرجة، تكون في الصف ولو كانت ضيقة، فما بالكم بفرجة تتسع للعشرات من الرجال؟ روى البخاري عن أنس قال: "أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أقيموا صفوفكم وتراصوا، فإني أراكم من وراء ظهري

-زاد في رواية- وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه" ومن طريقه عند أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يتخللكم، ويدخل من خلل الصف كأنها الحذف" وليت شعري أنى يرص صف شطره بالشمال وآخر بالجنوب؟ ولئن كان السلف الصالح -رضي الله عنهم- يتقون أن يصفوا بين السواري، لئلا تكون فاصلة جوانب الصف، فكيف بما يكون بين الصف من فراغ لا يُملأ بشيء؟

فقد روى الترمذي والنسائي عن عبد الحميد بن محمود قال: "صلينا خلف أمير من الأمراء فاضطرنا الناس فصلينا بين الساريتين فلما صلينا قال أنس كنا نتقي هذا على عهد النبي "، لأجل هذا أمر بوصل الصف المنقطع حتى في أثناء الصلاة، وما ذلك إلا لأن هذا فرض لا تصح الصلاة بدونه، ومن هذا الباب ما رواه أبو داود عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات الشيطان، ومن وصل صفاً وصله الله ومن قطعه قطعه الله" وأخرج النسائي منه قوله: "من وصل صفاً .. إلخ" وروي من طريق البراء بن عازب -رضي الله عنه- مرفوعا:ً"ما من خطوة أحب إلى الله من خطوة يمشيها العبد يصل بها صفاً".

ومنها أن الجمع بين الفرضين كثيراً ما يؤدي إلى الفوضى في إقامة الصلاة، فقد يقيمون صلاتهم جماعة في حين أن جماعة تكون لم تدرك الصلاة الأولى مع الإمام فتقيم الصلاة الأولى في جماعة وإذا بجماعتين تقامان معاً في مسجد واحد بل في مكان يقرب بعضه من بعض، يشوش إمام كل جماعة على الآخر في قراءته وتكبيره، وهذا ما لا يسوغ أبداً فقد روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" أي التي أقيمت، ولا يسوغ إقامة صلاة غيرها لما فيه من التفرق فضلاً عن التشويش والبلبلة، ولئن كان

المتنفلون ينهون عن رفع أصواتهم لئلا يشغل بعضهم بعضا فكيف يسوغ ذلك في الفرائض؟ فقد أخرج الربيع من طريق ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "خرج رسول الله  صلى الله عليه وسلم ذات يوم فوجد الناس يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال: "إن المصلى يناجي ربه فلينظر ما يناجيه به ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن فيشغلهم عن صلاتهم" وهو عند أبي داود من رواية أبي سعيد الخدري وعند مالك وأحمد من رواية فروة بن عمرو بن ورقة الأنصاري، ولئن كان هذا التشديد في رفع الصوت بالقرآن فكيف بأولئك الذي يشغلون الناس عن صلاة الفرض التي تقام جماعات بغطيط نومهم أو قهقهات ضحكهم، أو بتعالي أصوات المزاح الفاحش؟ أين هؤلاء من هدي رسول الله   الذي كان يربي عليه صحابته والعجب من هؤلاء كيف تسمح لهم أنفسهم أن يظلوا في المسجد إلى أن تقام الصلاة فلا يصلوها مع المصلين بدعوى أنهم جمعوا الصلاتين؟ وأي مسوغ للجمع في هذه الحالة مع أنه يدري أنه سيظل في المسجد حتى تقام الصلاة الثانية، والرسول  صلى الله عليه وسلم لم يعذر من صلى الصلاة بوجهها الشرعي ثم حضر جماعة تصلى تلك الصلاة نفسها إلا أن يصليها معهم كما جاء في حديث محجن الذي رواه الربيع عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد قال: " بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم وفي مجلسه رجل يسمى محجنا فأقيمت الصلاة قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فلما فرغ من صلاته نظر إلى محجن وهو في مجلسه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما منعك أن تصلي مع الناس ألست برجل مسلم؟" قال بلى يا رسول الله ولكن قد صليت في أهلي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :  "إذا جئت والناس يصلون فصل معهم وإن كنت قد صليت في أهلك" ورواه بمعناه مالك والنسائي من طريق محجن نفسه، وروى نحوه أبو داود من طريق يزيد بن عامر في شأنه بنفسه كما حدث لمحجن، ومثل ذلك عند أبي داود والنسائي والترمذي من طريق يزيد بن الأسود قال: "شهدت مع رسول الله حجته فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف، فلما قضى صلاته انحرف فإذا هو برجلين في أخرى القوم لم يصليا معه فجئ بهما ترعد فرائصهما فقال: "ما منعكما أن تصليا معنا؟" فقالا: يا

رسول الله إنا كنا قد صلينا في رحالنا قال: "فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكم نافلة".

هذا ولما يؤدي إليه الجمع بين الصلاتين من مثل هذه الأحوال الشائنة أدعو جميع المصلين -لا سيما أهل العلم والفضل ومن يقتدى بهم بين الناس- أن يحرصوا على عدم الجمع إلا لداع ملح وأن يحرصوا على توعية الناس بهذا، ليكون الناس على بصيرة من دينهم والله ولي التوفيق وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

                                                                                                                       أحمد بن حمد الخليلي                        

                                                                                              27/محرم/1427هـ                                                                                                      
                                                 
 

القسم
1
1
الكتاب
1
1