القائمـة البريدية
أدخل عنوان بريدك ليصلك جديدنا

المكتبة السمعية
المكتبة المرئية
من قضايا الزواج
بتاريخ 13 يوليو 2012
سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي

الحمد لله على آياته الظاهرة ، وهباته الغامرة ، أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأثني عليه ، واستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه ، وأؤمن به وأتوكل عليه ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، خلق فسوى ، وقدر فهدى وله الآخرة والأولى ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله ، أرسله الله بالطريقة السواء ، والشريعة السمحاء، والملة الحنيفية البيضاء ، فبلغ رسالة ربه ، وأدى أمانته ، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة ، وجاهد في سبيل الله ، ودعا إليه بالحكمة والموعظة الحسنة حتى أتاه اليقين -  صلى الله عليه وسلم  - وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد : فإن كثيراً من الناس يقعون في أخطاء كثيرة بسبب عدم إلمامهم بمعارف القرآن الكريم ، ومعارف السنة النبوية - على صاحبها أفضل الصلاة والسلام - ، وسيكون موضوعنا منصباً على بعض الأخطاء المتعلقة بقضية  من أهم القضايا والتي تشغل بال كل أحد، ألا وهي قضية الزواج ، الذي هو ربط مصير بمصير، فالله سبحانه وتعالى كرم الإنسان تكريماً - مع ما جعل في نفسه من الميل الفطري إلى الجنس الآخر - فكل من الذكر والأنثى يميل بفطرته إلى الجنس الآخر ، ولا يستغني عنه بحال من الأحوال ، فإما أن يلبي داعي الفطرة بالطرق السليمة ، وإما أن يؤدي ذلك - والعياذ بالله - إلى انفجار تتلاشى معه الأخلاق ، وتتحطم معه الفضائل ، لذلك كان تأطير الزواج في إطار من أحكام الله سبحانه وتعالى مطلباً شرعياً مدنياً لا يستغني عنه أي إنسان كان ، ولا ريب أن الزواج جعله الله سبحانه وتعالى من تكريم هذا المخلوق ، إذ لم يكن هذا اللقاء الفطري بين الذكر والانثى  غير مضبوط بضوابط شرعية - كما هو شأن الحيوانات العجماء - ، بل جعله سبحانه وتعالى يتم في إطار من القيود الاجتماعية والخلقية التي ميز الله سبحانه وتعالى بها الإنسان، وجعل من ثماره امتداد هذا الجنس البشري ، مع تسلسل الأجيال جيلاً بعد جيل كحلقات في سلسلة واحدة، يُشد كل جيل منها إلى الأجيال السابقة ، هذا التكريم إنما خص الله به الإنسان لأنه  تبارك وتعالى جعله خليفةً له في الأرض، ولأن الإنسان بطبيعته يرغب في أن يكون له امتداد بعد فنائه ، ورغم أن كل إنسان له عمر محدد في هذه الحياة ، إلا أن هذا الامتداد جعله الله سبحانه وتعالى في الذرية التي تتعاقب جيلاً بعد جيل ، فالإنسان يحس أنه في انتقاله إلى الدار الآخرة لا ينقطع وجوده في هذه الدنيا ، متمثلاً هذا الوجود في الذرية الصالحة المتعاقبة ، وقد امتن الله سبحانه وتعالى على عباده بنعمة الأزواج ونعمة الذرية ، فهو عز وجل يقول : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء : 1]، ويقول سبحانه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم : 21] ، ويقول عز من قائل : {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [النحل : 72] ، كل ذلك يدعو الإنسان إلى أن يفكر في هذه الآلاء العظيمة الغامرة من آلاء الله سبحانه وتعالى ، وأن يحرص دائماً على الارتباط بأحكام الله التي أنعم عليه بها ، والزواج  باعثه كامن في فطرة كل أحد من الناس خلقه الله سبحانه وتعالى سليماً ، وهو بجانب ذلك مطلبّ مدني اجتماعي ، لأن المدنية تتوقف عليه ، ومن آيات الله تعالى الظاهرة أن جعل الإنسان يتميز عن غيره من الحيوانات ، بأن جعل الحيوان يشتهي بقدر قوته فقط ، أما الإنسان فرغبته في الجنس الآخر تفوق قوته ، وما ذلك إلا لأجل أن تكون حياته حياة مدنية ، وقد أطر هذا اللقاء بالإطار الشرعي الذي فيه التكريم البالغ للإنسان بكلا نوعيه ، الذكر والأنثى ، فالله سبحانه وتعالى حض أولاً على الزواج ، فهو عز وجل يقول : {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور : 32] ، وجاء ذلك في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"، وفي معرض الحث على ابتغاء الولد يقول الرسول - عليه أفضل الصلاة والسلام - "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة"[رواه ابو داود والنسائي والحاكم والبيهقي وأحمد]، ونجد في كتاب الله سبحانه وتعالى أيضاً ما يدل على أن ولي المرأة لا يجوز له بحال من الأحوال أن يقف عائقاً في وجه تحصينها بالزواج ، فهو سبحانه وتعالى يقول : {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة : 232] ، فترون أن الله سبحانه وتعالى - في هذه الآية الكريمة يخاطب أولياء أمور النساء بأن لا يقفوا سداً في طريقهن للحيلولة دون  الوصول إلى رغبتهن من نكاح أزواجهن ، وهي وإن كانت في المطلقات اللاتي يرغبن في الرجوع إلى أزواجهن بعد أن تنتهي المدة المقررة للاعتداد الشرعي منهم ، إلا أن معناها يشمل كل ولي يقف في وجه وليته بأن لا تتزوج ، وفي معرض هذا الأمر الرباني يبين الله سبحانه وتعالى أن هذه الموعظة هي موجهة إلى كل من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، ومعنى ذلك أنه من لم يتعظ بها فليس هو من الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر ، لأنه خالف إيمانه في عدم الامتثال لأمر الله سبحانه تعالى :  {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب : 36] ،
- ثم إننا نجد في أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على أن للمرأة الحق في اختيار شريك حياتها ، فالرسول - عليه أفضل الصلاة والسلام - يقول "الثيب أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها"[رواه الإمام الربيع] ، وهنا تتجلى عظمة الإسلام واستجابته لداعي الفطرة ، فإن الإسلام الحنيف ينزل كل شيء منزلته ، فالمرأة قد تختلف في وضعها بين حالة كونها بكراً وحالة كونها ثيباً ، أما الثيب فقد مارست الحياة وجربت الأمور ، ولذلك كانت أحق بنفسها من وليها ، وإنما وليها يأذن بالزواج الشرعي الجائز عندما تختار هي شريك حياتها ، أما البكر فهي بخلاف ذلك ، وإنما لها حق الاستئذان ، وإذنها صماتها ، لأنها من شأنها أن تتجلل بالحياء . فقد لا تستطيع أن تصرح بمبتغاها ، لذلك كان سكوتها دليلاً على رضاها . وهذا يعني أن أولياء أمور النساء ليس لهم أن يجبروا ولياتهم على التزوج بمن يريدون ، بل عليهم أن يقدروا شعورهن ، ويحترموا أحاسيسهن ، فإن المرأة هي التي تشارك الرجل تكاليف الحياة ، وهي التي تعيش معه ، فمن هنا كان هذا التكريم في الإسلام للمرأة إذ لم يكن الأمر برمته موكولاً إلى ولي أمرها، أما مشروعية الولاية للرجل على المرأة فذلك أيضاً من تكريم الإسلام للمرأة ، لأنه من المعلوم أن المرأة تجيش عاطفتها جيشاناً يملأ جميع جوانب دماغها ، حتى لا يبقى هنالك مجال للتفكير عندما تتأثر بدافع عاطفي بخلاف الرجل ، وهذا الكلام تقرره البحوث الحديثة التي يحررها الباحثون الاجتماعيون ، فقد ذكرت باحثة فرنسية اجتماعية أن العاطفة عندما تشب في المرأة تشغل كلا جانبي دماغها ، فيصبح لا يوجد مجال صالح للتفكير ، أما العاطفة عندما تشب في الرجل فإنها تشغل جانباً واحداً من جوانب دماغه ، ويصبح الجانب الآخر من دماغه صالحاً للتفكير ، فالمرأة مع هذا الهيجان العاطفي لا يؤمن منها أن تندفع وراء عاطفتها، فتربط مصيرها بمن لا تحمد عاقبة مصاحبته فيما بعد . فمن أجل ذلك جعل الله سبحانه وتعالى للرجل حق الولاية عليها ، ولئن كان الأمر كذلك فإنه لا يستغرب أن يكون الزواج في الشريعة الإسلامية منوطاً برضى الولي ، وهذا الذي تشير إليه الآيات القرآنية، ويصرح به حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما يقول - عليه أفضل الصلاة والسلام - "لا نكاح إلا بولي"[رواه الإمام الربيع] ، ثم بجانب ذلك نرى أن الإسلام عندما يأمر بالتزويج لا ينظر إلى جانب الغنى والفقر، فالغنى والفقر أمرهما إلى الله سبحانه وتعالى : {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا } [النساء : 135] . فمن كان عائلاً فإن الله سبحانه وتعالى هو المتكفل بإغنائه بقدر ما كتب الله سبحانه وتعالى له من رزق ، فلا معنى للحيلولة بين أن ترتبط المرأة في زواجها بالرجل الفقير  ، ونجد في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن العبرة في اختيار الرجل لشريكة حياته وفي اختيار المرأة شريك حياتها بالتقوى ، فهو - عليه أفضل الصلاة والسلام - يقول "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"[رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم وغيرهم]، وقال - عليه أفضل الصلاة والسلام - "تنكح المرأة لمالها وجمالها وحسبها ودينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك" [رواه مسلم والبخاري والترمذي وآخرون]، فيؤمر الرجل أن يحرص على المرأة الصالحة الديّنة ، وتؤمر المرأة أن تحرص على الرجل الصالح الديّن، لأن كل واحد منهما بصلاحه وتقواه يشد أزر الآخر ، ويعينه على تقوى الله سبحانه وتعالى ، وهذا هو المطلوب في العشرة الزوجية، لأن المطلوب من الزوجين التكامل فيما بينهما في حياتهما الخاصة ، وفي تربيتهما لأولادهما ، فهما عندما يكونان متقيين لله سبحانه وتعالى يحصل هذا التكامل على أحسن وجه .
-  ولربما وقف بعض أولياء الأمور حائلاً دون رغبة ولياتهم من الارتباط بهذه الرابطة المقدسة بسبب أو بأخر ،  وأعمال هؤلاء منافية للإيمان بالله واليوم الآخر ، لأن الموعظة في كتاب الله وجهت إلى من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، ولئن كان الحافز إلى ذلك الطمع الذي هو في نفوس كثير من الآباء ، بحيث يرون بناتهم يشتغلن في أعمال تدر عليهن مداخيل ، فيحرصون دائماً على أن يكون هذا الكسب لهم دونهن ، وعندما يخرجن من أيديهم يصبح هذا الكسب لهن ولأزواجهن دونهم فإنه مع  الوعيد الشديد الذي يترتب على عضلهن من الزواج يترتب عليهم - أيضا -   وعيد الظلم ، لأنهم ظالمون لهن بأكلهم أموالهن بغير حق ، يقول الله سبحانه: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة : 188] ، ويقول تبارك وتعالى  :  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)} [النساء : 29 - 30]
ولئن قارفن أية معصية بسبب عضلهم لهن فإن إثم ذلك يعود عليهم معهن، لأنهم هم الذين دفعوهن إلى المعصية ، لأن الرغبة في الزواج فطرة موجودة في كل من الذكر والأنثى ، ومعاكسة الفطرة تؤدي إما إلى الأمراض النفسية والعصبية، وإما إلى انفجار تتحطم معه جميع الأخلاق وتتلاشى معه جميع القيم - كما تقدم - ، ويحل العار بالأسرة كلها ،  فعلى كل من كانت له ولية أن يسارع بتزويجها بمن رضيت به زوجاً من الأكفاء المؤمنين بالله واليوم الآخر ، فإن ذلك أصون لهم ولهن ، ولكن هناك الكثير من الأمور التي تقف عوائق دون تحقيق هذه الرغبة من قبل الشباب أو الفتيات ، من بينها المغالاة في المهور ، فالمغالاة فيهن من أخطر الأمور ، لأنها تؤدي إلى ارتكاب الفحشاء - والعياذ بالله - ، فهي تحول بين الشاب ومبتغاه وبين الفتاة ومبتغاها ، كما يقول إمامنا السالمي - رحمه الله تعالى - :-
فيشتهي النساء وهو لم يجد       وتشتهي الرجال وهي لم تجد
فتحمل الشهوة في الصنفين      على ارتكاب فاضح وشين
فتيسير الصدقات من المطالب الشرعية من أجل تلبية داعي الفطرة ، على أن الصداق المفروض فرضه الله سبحانه وتعالى من أجل التمييز بين الحلال والحرام ، وجعله رمزاً لقوامة الرجل على المرأة ، فلذلك لا عبرة بالمغالاة في المهور ، فإنها لا تدل على قيمة المرأة ، ولو كانت المغالاة دليلاً على قيمة المرأة لكانت أولى بذلك بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - مع علو أقدارهن وعظم مرتبتهن ، لأنهن ينتسبن إلى النبي العظيم الذي أرسله الله رحمة للعالمين ، وشرفه على الخلق أجمعين ، وأي أحد لا يجد شرفاً في الارتباط به - صلى الله عليه وسلم - عن طريق المصاهرة ؟! ولو كان الأمر كذلك لتسارع الناس إلى المغالاة في مهورهن من أجل نيل هذا الشرف العظيم، ولكن كانت صدقاتهن من أيسر الصدقات ، وهكذا كانت صدقات نساء المهاجرين والأنصار ، فلم تكن هناك مغالاة في الصدقات ، على أن هذه المغالاة ليست ناشئة عن رغبة الفتيات أنفسهن ، وإنما هي ناشئة عن رغبة أوليائهن الذين يريدون أن يثروا من هذا الطريق ،  وهذا عار ليس بعده عار، ولئن كانت العرب في جاهليتها ترى من العار أن يثري الرجل من وراء الدية التي ينالها بسبب العفو عن قتل قريبه ، فإن هذا العار أعظم وكأنه يبيعها بيعاً وهي بضعة منه ، على أن هذا الصداق ليس للولي حق فيه ، فإنه حق للمرأة وحدها ، بدليل أن الله سبحانه وتعالى قال: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء : 4] ، ولم يقل وآتوا أولياء النساء أو آباء النساء صدقاتهن نحلة، وإنما قال {وَآتُوا النِّسَاءَ} [النساء : 4]، ثم جعل العفو عن جزء منه يعود إليهن لا إليهم ، فهو حق لهن دونهم ، ومحاولة الاستكثار من الصداق من أجل الإثراء من قبل هؤلاء الأولياء أمر يتنافى مع شريعة الله سبحانه وتعالى السمحة .
- ومن الأمور التي تقف عائقاً دون تحقيق الرغبة الفطرية التي تشغل بال الشباب والفتيات إغراق الناس أنفسهم في الترف ، فإن الترف طريق إلى التلف - والعياذ بالله - والتقارب اللفظي ما بين الترف والتلف يوحي بما بينهما من الترابط السببي ، والتأخي المعنوي ، فإن الترف مفض إلى التلف، ولذلك لم يذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز إلا مقروناً بالشر ، فقد ذكر الله سبحانه وتعالى عذاب الدنيا وبين أن من أسبابه الترف عندما قال :  {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ} [المؤمنون : 64] وقال : {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13)} [الأنبياء : 11 - 13] . وذكر عذاب الآخر وبين أن سببه الترف ، فعندما ذكر أصحاب الشمال قال :{إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} [الواقعة : 45] ، وذكر عموم العذاب الذي يشمل الجميع فبين أن سببه فساد المترفين ، فقال:{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء : 16] ، وذكر تكذيب المرسلين وبين أنه ناشئ عن الترف ، فقال سبحانه {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} [المؤمنون : 33]،   وقال  :  {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [سبأ : 34]، وذكر معارضة المصلحين والوقوف في وجوههم وبين أنه ينشأ عن الترف ، فقال تعالى : {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} [هود : 116] ، فالترف يقع عائقاً دون تحقيق هذه الرغبة ، فكثير من المترفين يرون أن من السعادة لبناتهم أن يتمرغن في أوحال الترف كما تمرغوا، ومن ذلك أن الواحد منهم إذا خطبت إليه كريمته اشترط لها المنزل الفخم، والأثاث الحديث الغالي النفيس ، والسيارة الفخمة وغير ذلك مما يشترط ولا داعي إليه ، وهي في قرارة نفسها تريد أن تحصن نفسها ، وتريد أن تستجيب لداعي فطرتها ، فما الداعي إلى هذه الأمور التي لا علاقة لها بهذا المطلب ؟ .
- وعندما تتحقق هذه الأمور وتتيسر بمشيئة الله لابد أن يكون هذا اللقاء  - كما قلت- مؤطراً في إطار الشريعة السمحة ، ومن هنا يجب على الإنسان قبل أن يقدم على أمر الزواج أن يكون على بينة من أمره وبصيرة مما يأتي ومما يذر، لكيلا يقع في الندم ولات ساعة مندم ، فقبل كل شيء أباح الله سبحانه وتعالى هذا الزواج بين مسلم ومسلمة ، وحذر من تزويج المشركين كلهم من غير استثناء ، ومنع تزوج المشركات ، عندما قال الله سبحانه وتعالى {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [البقرة : 221] ، فالله سبحانه وتعالى حذر - في هذه الآيات - من نكاح المشركات ومن إنكاح المشركين ، لأن هذه الرابطة رابطة مقدسة فلذلك يجب أن تكون بين مؤمن ومؤمنة ، ولأن المفاسد التي تترتب على إنكاح المشركين أو نكاح المشركات تفوق الحصر ، وإنما أباح الله سبحانه وتعالى فيما سلف أن يتزوج المسلمون من الكتابيات ، لأن أهل الكتاب أقرب إلى الإيمان من خلال معرفتهم بالنبوات واطلاعهم في كتابهم على ما جاء من أوصاف النبي -  صلى الله عليه وسلم-، وهذا الحكم ينبغي أن يكون منوطاً بغلبة المسلمين وظهور أمرهم ونفوذ سلطانهم ، لا في أي وقت من الأوقات ، فإن هذه الإباحة كانت لحكمة ، فإن الله سبحانه وتعالى يريد لعباده الخير ، ومن ضمن هذا الخير الهداية ، وهذه الهداية قد تحصل لأهل الكتاب من خلال الاحتكاك بالمسلمين، والاطلاع على محاسن الإسلام والمعرفة بأدلته وبراهينه ، فقد يفضي ذلك إلى أن تسلم المرأة التي تعيش في كنف الرجل المسلم ، ثم قد يفضي ذلك إلى أن تسلم أسرتها بسبب الاطلاع على محاسن الإسلام من خلال هذه الممارسة واللقاءات المستمرة ، التي تكون بعلاقة المصاهرة التي تكون بين المسلمين والكتابيين ، وذلك ميسور عندما يكون سلطان المسلمين قائماً ودولتهم غالبة ورايتهم خفاقة ضاربة في الأرض ، أما عندما تكون الغلبة للكفار على المسلمين، فإن الأمر قد ينقلب إلى عكس ذلك ، ولذلك نحن نقول بأن تزوج المسلم في وقتنا هذا بغير المسلمة أمر لا يجوز ، ومفاسد ذلك ظاهرة ، فقبل فترة  ، جاءني رجل عماني من قبيلة عمانية ومعه خاله وقد بلغ خاله من الكبر عتيا ، بحيث جاوز السبعين أو الثمانين من العمر ،لإدخاله في الإسلام ، وسألته عن سبب ذلك ، فأجابني بأن أب هذا الخال - جد الذي جاء به- تزوج امرأة نصرانية فولدت له هذا الولد ، ثم طلقها ، فاحتوت على الولد وربته في الكنيسة، ونشأته على النصرانية ، وذريته مازالت على النصرانية ، ومن عجيب الأمور أيضاً أن جاءني شاب مسلم متدين بابن عمه ليدخله في الإسلام ، وهو كاثوليكي نصراني وجنسيته بلجيكية ، وحرت في هذا الأمر ، فأخبرني أن السبب في ذلك أن جده كان يتزوج من كل ملة من الملل من غير مبالاة . وكانت الأمهات يربين أولادهن على ملتهن ، وحدثني أن عمةً له وهي كاثوليكية قد تزوجت يهودياً في فرنسا ، وهم من قبيلة عمانية عريقة ، وأنا كنت أعرف أب جد هذا الشاب ، أي أب هذا المزواج الذي يتزوج حسب شهوته من أي ملة كانت - ، وحدثني[أي ذلك الشاب المتدين السابق ذكره] أن في أسرته نحو أربعين من هم على المذهب الكاثوليكي النصراني ! ، فكيف مع ذلك يباح للمسلم في مثل هذا الوقت أن يتزوج من غير المسلمة ، مع أن الإنسان لا يتوقع وفاته ، فقد يفاجئه ريب المنون وهو في ريعان شبابه ، وفي أوج طموحاته وآماله ، وفي هذه الحالة تتحكم الأم في تربية أبنائها على غير الإسلام - عندما تكون غير مسلمة - فعلى الآباء أن يتقوا الله سبحانه وتعالى في فلذات أكبادهم ، وأن لا يلقوا بأبضاعهم إلى النار ، وفي الحديث ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "اختاروا لنطفكم فإن العرق دساس"[روي في مسند الشهاب] ، وجاء في الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم - "إياكم وخضراء الدمن ، قيل وما خضراء الدمن يا رسول الله ؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء"[رواه الواقدي] ، هذا ونجد أن مراعاة المصلحة كانت من شأن أهل القيادة في الإسلام، حتى في حالة نفوذ الدولة الإسلامية وقوتها وانتشار سلطانها في أرجاء الأرض ، فقد جاء عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه بلغه عن حذيفة بن اليمان أنه تزوج امرأة كتابية ، فكتب إليه أن طلق هذه المرأة ، فأجابه إن الله سبحانه وتعالى أحلها لي ، ولا أريد أن أطلقها ، فكتب إليه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قائلاً : يا حذيفة أنت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد خشيت أن يندفع الناس بسببك إلى جمال الكتابيات ويتركوا نساء المسلمين أيامي ، فأقسمت عليك بالله أن لا تضع كتابي هذا حتى تطلقها . فلم يضع حذيفة كتاب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عندما قرأه حتى أن طلق تلك المرأة ، امتثالاً لأمر الخليفة ،
وهناك أيضاً ضوابط تتعلق بالأنساب والأسباب لابد من مراعاتها ، فالتحريم جاء منصوصاً عليه في كتاب الله عز وجل لطائفة من النساء منهن من حرمن تحريماً أبدياً بنص القرآن ، ومنهن من كانت حرمتهن مؤقتة ، فالله تبارك وتعالى يقول: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا} [النساء : 22]،ويقول الله عز وجل : {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء : 23]، فلابد من مراعاة الحرمة التي تكون بسبب النسب كالأم والأخت والبنت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت ، أو التي تكون بسبب ، والسبب قد يكون مصاهرة أو رضاعاً ، فتحرم مثلاً بالمصاهرة زوجة الأب وكذلك الجد وإن علا ، وزوجة الابن وإن سفل ، وأم الزوجة وإن علت وبنت الزوجة ،إن سفلت بشرط الدخول ، وهنالك حرمة بسبب الرضاع ، وقد نص القرآن الكريم على صنفين من النساء يحرمن بسبب علاقة الرضاع ، وهن الأمهات والأخوات ، ثم جاءت السنة النبوية - على صاحبها  أفضل الصلاة والسلام - لتضيف أصنافاً أخرى منها ما يتعلق بعلاقة المصاهرة ، ومنها ما يتعلق بعلاقة الرضاع ، فمن حيث المصاهرة دل الكتاب العزيز على تحريم الجمع بين الأختين ، ولكن السنة النبوية أضافت إلى ذلك حرمة الجمع بين البنت وعمتها والبنت وخالتها ، "لا تنكح المرأة على عمتها ولا المرأة على خالتها، لا الصغرى على الكبرى ولا الكبرى على الصغرى"[رواه الإمام الربيع] ، وكذلك جاءت السنة النبوية - على صاحبها أفضل الصلاة والسلام - ببيان المحرمات بسبب الرضاع ، فقد أخرج الإمام الحافظ الحجة الربيع بن حبيب - رحمة الله تعالى عليه - في مسنده الصحيح عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت : إن أفلح أخ أبي القعيس هو عمي من الرضاعة استأذن علي فأبيت أن آذن له ، فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرته ، فقال : "ائذني له فإن الرضاع مثل النسب" ، وقد أخرج الحديث الشيخان البخاري ومسلم من طريق عائشة - رضي الله عنها - وفي روايتهما زيادة ، وهي أن عائشة - رضي الله عنها - قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل ، فقال - عليه أفضل الصلاة والسلام - : "إنه عمك فليلج عليك" ، وفي بعض روايات مسلم زيادة : وكان أبو القعيس زوج المرأة التي أرضعت عائشة ، وجاء في بعضها أن أفلح أخ أبي القعيس عندما استأذن على عائشة قال لها : ائذني لي فإنني عمك، فقالت له : من أين صرت عمي ، قال لها : أرضعتك امرأة أخي . فقالت له : أرضعتني امرأة أبي القعيس ولم يرضعني أبو القعيس ، ومع هذا عندما أخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها "إنه عمك فليلج عليك". وفي رواية أخرجها الإمام الربيع والشيخان وغيرهم عن طريق عائشة - رضي الله عنها - قالت : بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي إذ سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة ، فقلت له : يا رسول الله هذا صوت رجل يستأذن في بيتك ، فقال : أراه فلاناً لعم حفصة من الرضاعة ، فقلت له : لو كان عمي فلاناً حياً لدخل علي ، فقال : " نعم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " . وجاء في رواية عند الترمذي " يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة"، وجاء أيضاً في الصحيحين عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرضت عليه ابنة عمه حمزة ليتزوجها ، فقال : " إنها لا تحل لي إنها ابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأباها ثويبة الأسلمية" . وأخرج الإمام مسلم عن طريق علي - كرم الله وجهه - أنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله مالك تنوق في قريش وتتركنا ، فقال : « وهل يوجد فيكم»  قال : نعم ، قال : «من» ، قال : بنت حمزة . قال: "لا تحل لي إنها ابنة أخي من الرضاعة » . وأخرج البخاري وأبو داود وغيرهما عن أم حبيبة - رضي الله عنها- أنها قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله هل لك في أختي ، قال لها : «ماذا» ؟ قالت له : تنكحها. قال : "أو تحبين ذلك ؟" قالت: لست بمخلية وأحب أن يشركني في الخير أختي، فقال لها - صلى الله عليه وسلم - : "إنها لا تحل لي" . فقالت : أولسنا نسمع أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة ، قال لها : "بنت أم سلمة" . قالت له : نعم . قال : "لو لم تكن ربيبتي في حجري لما حلت لي ، إنها ابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأباها ثويبة الأسلمية ، فلا تعرضن علي أخواتكن ولا بناتكن" . من خلال هذه الأحاديث الشريفة يتبين لنا أن حرمة الرضاع منتشرة كانتشار حرمة النسب ، لا فارق بين الحرمتين ، وعليه فإن المرأة لو أرضعت طفلاً ذكراً فهذا الطفل يصبح ولداً لها ، فهي حرام عليه لأنها أمه من الرضاع ، تحرم عليه كما تحرم عليه أمه من النسب ، وأمها - وإن علت - هي حرام عليه لأنها جدته من الرضاع ، تحرم عليه كما تحرم عليه جدته أم أمه التي ولدته ، وبناتها جميعاً - سواء التي رضعت معه أو التي كانت قبل ذلك بعشرات السنين أو التي ولدت من بعد رضاعه من تلك المرأة بعشرات السنين - كلهن عليه حرام ، لأنهن جميعاً أخواته من الرضاع ، فهن يحرمن عليه كما تحرم عليه أخواته من أمه التي ولدته ، وخالات المرضعة هن خالات أمه ، فهن حرام عليه ، وبنات أبنائها هن حرام عليه لأنهن بنات إخوته - سواء الذين رضع معهم أو الذين ولدوا قبله بعشرات السنين ، أو الذين ولدوا بعده بعشرات السنين - كما تحرم عليه بنات إخوته من النسب ، وبنات بناتها هن بنات أخواته يحرمن عليه أيضاً كما تحرم عليه بنات أخواته من النسب ، وزوج تلك المرأة يكون أباً له من الرضاع ، والحرمة تنتشر في نسيبات ذلك الزوج كما تنتشر في نسيبات أبيه الذي ولده سواء بسواء ، فأم ذلك الزوج هي جدته فهي حرام عليه ، لأنها أم أبيه من الرضاع ، تحرم عليه كما تحرم أم أبيه الذي ولده ، وأخوات ذلك الزوج هن عماته من الرضاع فهن جميعاً حرام عليه ، وعمات ذلك الزوج هن عمات أبيه من الرضاع فهن حرام عليه . وخالات ذلك الزوج هن خالات أبيه من الرضاع فهن حرام عليه ، وبنات ذلك الزوج - ولو من غير تلك المرأة المرضعة - هن أخواته من الرضاع فهن حرام عليه أيضاً ، وبنات أبناء ذلك الزوج هن بنات إخوته ، وبنات بنات ذلك الزوج هن بنات أخواته، فهن جميعاً حرام عليه ، وامرأة ذلك الزوج غير تلك التي أرضعته هي امرأة أبيه من الرضاع ، تحرم عليه كما تحرم عليه امرأة أبيه الذي ولده ، ولو قدرنا أن المرأة أرضعت طفلةً أنثى ، فإن هذه الطفلة تكون بنتاً لها ، فتحرم على أبي تلك المرضعة لأنه جدها من الرضاعة، وعلى إخوة تلك المرضعة لأنهم أخوالها من الرضاعة ، وعلى أعمام تلك المرضعة لأنهم أعمام أمها من الرضاعة ، وعلى أخوال تلك المرضعة لأنهم أخوال أمها من الرضاعة ، وعلى أبناء تلك المرضعة - سواء الذي رضعت معه أو الذي ولد قبلها بعشرات السنين أو الذي ولد بعدها بعشرات السنين - لأنهم جميعاً إخوتها من الرضاعة ، وأبناء بنات تلك المرأة هم أبناء أخواتها من الرضاع فهم كلهم حرام عليها ، وزوج تلك المرأة المرضعة يكون أباها من الرضاعة ، فهو حرام عليها ، وأبوه جدها فهو حرام عليها ، وإخوة ذلك الزوج هم أعمامها فهم حرام عليها - كما يدل على ذلك حديث عائشة في قصة أفلح أخ أبي القعيس - وكذلك أبناء ذلك الزوج من غير تلك المرأة هم إخوانها من الرضاع  ، وأبناء أبنائه هم أبناء إخوتها من الرضاع فهم حرام عليها ، وأبناء بناته هم أبناء أخواتها من الرضاع فهم حرام عليها ، وبالجملة فما يحرم على الراضع من قبل أبيه الذي ولده، ومن قبل أمه التي ولدته ، يحرم عليه من قبل المرأة التي أرضعته ، ومن قبل زوج تلك المرأة المرضعة ، لأن الرضاعة كالنسب في انتشار الحرمة لا فرق بين الأمرين ، ولكن مع هذا يخطئ كثير من الناس - للأسف الشديد - في هذا الأمر ، فمن الجهلة من يقول : لا يحرم إلا الرضيع بالرضيع ، أي الحرمة تقع بين الطفل والطفلة اللذين كان رضاعهما في وقت واحد ، وهذا جهل عظيم ، وهو مناف لما دلت عليه السنة - على صاحبها أفضل الصلاة والسلام - ، ومنهم من لا يعتقد أن الحرمة تنتشر في أنساب ونسيبات زوج المرأة المرضعة ، ويعتبرون أنه لا علاقة للزوج بهذا الرضاع ، وهذا القول هو في منتهى الجهل ، لأن الزوج بنص حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - هو أب للطفل الراضع أو الطفلة الراضعة من امرأته ، وكثير من الناس يقعون في المحظور بسبب هذا الجهل ، ويتزوجون على غير بصيرة من أمرهم، وينتهي الأمر بعد ذلك إلى الفرقة التي تترتب عليها المشكلة بسبب الأولاد الذين يكونون ضحايا لجهل الأبوين وجهل الأسرتين ، فلأجل ذلك يجب على الإنسان عندما يقدم على الزواج أن يكون على بينة من أمره وعلى بصيرة مما يأتي ومما يذر .
- وذهب أصحابنا - رضي الله عنهم- إلى أن الرجل الذي يزني بالمرأة لا تحل له بعد ذلك  بحال من الأحوال ، وهذا القول روي عن طائفة من الصحابة - رضوان الله عليهم - ، فقد روي عن كل من الإمام علي وعائشة أم المؤمنين والبراء بن عازب وابن مسعود -رضي الله عنهم- ، أنه قال "أيما رجل زنى بامرأة ثم تزوجها فهم زانيان أبدا" ، ولم يكن ذلك إلا من أجل سد ذريعة الفساد، ولئن كان هذا القول صدر من هؤلاء الصحابة الكرام في ذلك العهد الزاهر ، عهد الطهر والعفاف ، وعهد النزاهة والحشمة والوقار ، وعهد الحرص على تعاليم الإسلام وتعاليم السنة النبوية ، والاشمئزاز من الرذيلة وعدم الرغبة في الحوم حول حماها ، فكيف بالحال في زماننا هذا ، الذي انتشر فيه الفساد وغرق الناس فيه إلى الأذقان ، أليس الأولى أن يوصد  باب الذواقة  بين الشهوانيين في حرمانهم من الزواج بعد ذلك ، فإنه عندما يعرف كل منهم بأن هذه الذواقة  تؤدي بهما إلى الحرمان يتأففان منه ، ولو دفعتهم إليه الشهوة، على أن الزواج رابطة مقدسة يجب أن لا تشوبها ريبة وأن لا تحوم حول حماها، فإن القرآن الكريم يبين لنا أن الزواج اطمئنان، يقول الله سبحانه وتعالى : {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم : 21] ، فالزواج جعله الله سبحانه وتعالى كنف رحمة ، يأوي إليه الرجل والمرأة ، وهو سبب للطمأنينة التي تغشى صدورهما، فيطمئن كل واحد منهما إلى الآخر ، ولذلك عبر القرآن عنه بهذا التعبير عندما قال تعالى { لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا } [الروم : 21] ، بحيث يسكن الرجل إلى المرأة أي يطمئن إليها طمأنينة كاملة ، وتسكن هي إليه أيضاً، وأنى لرجل عاشر امرأةً على بساط الدعارة والفجور ، وقاسمها الفحشاء ونازعها الرذيلة أن يطمئن إليها في يوم من الأيام؟! وأنى لها أن تطمئن إليه ولو تابا معاً ، ومن هنا نجد هذا العلاج علاجاً ناجحاً في إغلاق الأبواب أمام هؤلاء الشهوانيين ، الذين لا همّ لهم إلا شهواتهم، على أن كثيراً منهم كانوا ذئاباً مفترسة ، حيث رزؤا الفتيات في أعمار الزهور ، وفي أعز ما يملكن وهو عفتهن وكرامتهن، بسبب اصطيادهم لهن بهذا الأمل الخادع ، وهو أن يكون هذا الشاب لهذه الفتاة في يوم من الأيام فارس أحلامها وشريك حياتها ، وإذا به بعدما يرزؤها في أعز ما تملك يرفسها برجله ، ولا يبالي بمصيرها ، ولربما يكون قد ملأ أحشاءها بجنين يؤرقها بأناته المتصاعدة ، والتي تحسها بأحاسيسها ومشاعرها ،  بسبب المستقبل المظلم الذي ينتظره ،  فإما أن يكون وءداً في مصحات الإجهاض ، وإما أن تكون حياته كلها تعب وعناء واحتقار وازدراء،  فلا كرامة له عند الناس، من أجل ذلك كان الحذر - كل الحذر - من الوقوع في هذا الشباك الخادع أمراً مطلوباً ، وكان بجانب ذلك اجتثاث هذه الآمال بصوارم هذه الأحكام من الإدراك العميق لمقاصد الشريعة الإسلامية ،
- ومن الأخطاء التي يقع فيها الناس ما يسمى في العرف الشرعي بالشغار ، بحيث يشترط هذا على ذاك وذاك على هذا أن يزوج كل واحد منهما الآخر وليته ، وهذا أمر غير جائز، فإن كان هنالك صداق فإن الصداق كثيراً ما يكون صورياً فقط ، بحيث يدفع كل واحد من الأبوين إلى ابنته الشيء اليسير الذي يرضيها به ، بينما الصداق في الزواج الشرعي لا يدفع من قبل الولي وإنما من قبل الزوج. وأيضاً فإن الصداق يجب أن يكون بحسب رغبة المرأة لا بحسب رغبة الولي ، فلا يجتاح حقها من أجل مراعاة وليها أو من أجل مراعاة قريبها من أخ أو غيره ، وبجانب هذا كله فالشرط هو جزء من الصداق ، وكما أنه لا يجوز أن يكون بضع امرأة صداق امرأة أخرى ، فكذلك اشتراط امتلاك هذا البضع من أجل تحليل ذلك البضع هو أمر غير جائز ، لأنه يدخل في الصداق المحظور شرعاً ، فيجب التنبه لذلك ، على أننا وجدنا العواقب الوخيمة التي تترتب على هذا الزواج ، فما يكاد زواج من هذا النوع ينجح قط ، بل سرعان ما تكون هنالك خلافات ويكون هنالك شقاق ما بين أحد الزوجين والآخر ، وبسبب هذا الشقاق تحرص الأسرة الأخرى أيضاً على انتزاع ابنتها من الزوج الآخر وإن كانت على وفاق معه.
- ومن  الأخطاء أن يلتقي الرجل بالمرأة التي يريد الزواج بها قبل العقد من غير محرم ، في حين أنه قد جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة إلا مع ذي محرم" ، ويقول - عليه أفضل الصلاة والسلام - "ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم" ، وقال - عليه الصلاة والسلام - "إياكم والدخول على النساء" . فقال له رجل من الأنصار : أرأيت الحمو يا رسول الله (أي أخو زوجها) فقال : "الحمو الموت" . أي خطورته على زوجة أخيه كخطورة الموت ، وذلك لأن الخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبيين مفضية إلى أن تتغلغل وساوس الشيطان في نفس كل منهما، فمن هنا كانت هذه الخلوة محرمةً شرعاً ، والناس كثيراً ما يتساهلون في ذلك بسبب أن هذا الرجل هو أخ زوج هذه المرأة ، أو هو ابن خالها أو ابن خالتها ، أو هو ابن عمها أو ابن عمتها أو هو زوج أختها ، فالخلوة في أي حال من الأحوال محرمة لا تجوز ، ولكن بمجرد وقوع الخلوة - إن لم تكن مباشرة بالوقاع التي تغيب فيه الحشفة في الفرج - لا تحرم المرأة على الرجل ، لأن الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "العينان تزنيان واليدان تزنيان والرجلان تزنيان ويصدق ذلك أو يكذبه الفرج" .
 كما أن هناك أخطاء كثيرة تقع في الطلاق ، وعلى من يريد الزواج أن يتعلم أحكام الطلاق ويدرسها قبل أن يقدم على الزواج ، لما في الخطأ في الطلاق من عواقب وخيمة يتجرع الكل مرارتها وغصصها ، ونسأل الله تبارك وتعالى العفو والعافية ، ونسأله أن يهدينا إلى سواء الصراط ، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير ، نعم المولى ونعم النصير ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.