القائمـة البريدية
أدخل عنوان بريدك ليصلك جديدنا

المكتبة السمعية
المكتبة المرئية
الوحدة الإسلامية ... وإلغاء المذهبية
بتاريخ 12 مارس 2013
سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي

 

 

 

 

 

الوحدة الإسلامية ... وإلغاء المذهبية

التقارب ما بين المذاهب الإسلامية لا يعني أن يتخلى أحد عن مذهبه، ولا ندعو إلى ذلك، لا ندعو أحدًا إلى أن يتخلى عن مذهبه، سواءً من الناحية الفكرية، أو من الناحية الفقهية.

أما الناحية الفكرية فهي نتيجة اقتناع، وليست نتيجة طلب وإلزام، وأما من الناحية الفقهية، فإن الناحية الفقهية إما أن يكون الإنسان فيها مجتهدًا بنفسه، وإما أن يكون مقلدًا لمن كان أهلا للاجتهاد من العلماء، فهذا المجتهد لا يُفْرَضُ عليه رأيٌ، إنما ينظر هو في الأدلة الشرعية ويأخذ بالدليل الذي يراه أرجح، وفي نفس الوقت إن كان الشخص مقلدا لغيره، فإنه لا يُفرض عليه أن يقلد من لم يرض بتقليده من الأئمة، بل هو يختار الإمام الذي يقلده.

وكما قلنا المسائل الفرعية الفقهية مجال الاجتهاد فيها مجال واسع عند العلماء، ولربما كان الخلاف الذي بين المذاهب المتعددة في هذه المسائل، كالخلاف الذي يحصـل بين أئمة المذهب الواحد، إذ لا يلزم أن يكون المذهـب الواحد لا يوجد فيه أكثر من قول، قد تكون هناك أقوال تتجـاوز العشرة في مذهب واحد، يختلـف العلماء إلى أقوال متعددة في القضية الواحدة.

فلذلك كان من الضرورة بمكان أن يتفطن المسلمون أن الوحدة المطلوبة بين الأمة لا يلزم منها أن ينصهر المسلمون كلهم في مذهب واحد، لا، وإنما لكل أحد استقلاليته في الرأي والنظر، واعتماده على ما يراه أرجح أو ما يراه أصـوب، فإن ذلك موكول إلى كل أحـد، وهو مما يُتعبـد به بينه وبين ربه -سبحانه وتعالى- سواءً كان من المجتهدين، أو كان من المقلدين، فإنه يختار من يرى تقليده أسلم له من تقليد غيره.

هذا، ولكن مع ذلك كله لا ينبغي أن يؤدي الأمر إلى التنابز بالألقاب، وإلى التراشق بالتهم، وإلى محاولة كل فئة أن تحط من قدر الفئة الأخرى، وأن تنال من عرضها ومن شرفها ومن إسلامها وإيمانها، فإن هذا هو الذي يؤدي إلى التنازع والفرقـة والاختـلاف، وكما قلت أن الصحـابة -رضي الله عنهم- اختلفوا في مسائل فقهية كثيرة، ولربما أدى الأمر أيضًا إلى الاختلاف بينهم حتى في بعض جزئيات مسائل النظر والاعتقاد، ولكن لم يؤدِّ ذلك إلى أن يتراشقوا بالتهم وأن يتقاطعوا وأن يعلن كل فريق منهم الحرب على الفريق الآخر، لا، وإنما كانوا متسالمين وكانوا متحدين في مواجهة العدو المشترك.

والأمة الإسلامية اليوم تمر بمنعطف خطير، منعطف يستوجب أن تتحد جميع فئاتها من أجل مواجهة تحدياته -أي تحديات هذا المنعطف-، فهي إما أن تأخذ بأسباب القوة وأسبـاب العصمة، وإما أن تظل تتسكع في هذه التخبطات حتى يؤدي الأمر إلى مزيد إضعافها وإلى مزيد النكاية بها من قبل أعدائها.

الأمة الإسلامية لا ينتشلها من هذا الضياع الذي وقعت فيه إلا أن يضع بعضها يده في يد البعض الآخر، ويتفق الجميع على النهوض بجميع الأمة والسير بها قُدُمًا، والتقدم في شتى المجالات، سواء المجالات العلمية والصناعية أو المجالات الدعوية والأدبية، لتكون هذه الأمة أمة عزيزة -بمشيئة الله-سبحانه-.